العدد 3439
الخميس 15 مارس 2018
banner
الوطن... من شوارعه
الخميس 15 مارس 2018

أعود في هذا المقال الخميسي إلى الصديق الفلسطيني وليد بطراوي الذي نذر شطراً من حياته محاولاً بث الوعي بين أفراد مجتمعه في التعامل مع الطريق، (أكرر: الطريق) لأن الكثير من القضايا الكبرى لا يمكن الوصول إليها وحلها، أو ربما أمكن الوصول إليها ولكن عبر الأشكال المشوّهة، وأنصاف الأفراح، وأرباع الانتصارات، لأننا لم نحسن إدارة الملفات الصغيرة، ولم تتحول السلوكيات اليومية السيئة إلى سلوكيات في مصافّ ما نراه ونمارسه أدباً أو خوفاً أو تجمّلاً عندما نكون في أحد البلدان المتقدمة.

ما صادفناه في البحرين، في جملة من الشباب الذين تفتح وعيهم مؤخرا، أنهم كانوا يسيئون إلى الوطن في أبسط تصرفاتهم بأن لا يغادروا المكان نظيفاً، بل آية وجودهم في المكان أن يتركوا فيه آثارهم التي تقول إنهم مرّوا من هنا، إنها المفارقة التي يتحدث عنها بطراوي، بقوله هناك من يدّعون حبهم للوطن، ولكنهم غير مستعدين لتطبيق قوانين الوطن، إنها المفارقة بين الوطن الناجز، والحلم بالوطن الذي في مخيلة الكثيرين، أو وطن أحلام اليقظة، وما يعيشونه فعلاً، فلقد أدّت السلطات المتفاوتة الأثر، والمحيطة بالمرء من كل اتجاه، سواء كانت ثقافية أم دينية، أم اجتماعية، إلى رسم صورة ذهنية للوطن لدى الناس ليس لها وجود على الأرض، وطن، من أقاصي المشرق العربي حتى أقاصي مغربه، يطوف بالخيال ولا علاقة له بما يعيشه المواطن، المسكون بأمل أن يصل إلى ذلك الحلم، ولكنه لا يعرف متى ولا كيف، فينتقم من واقعه، أو لا يبالي به وكأنه لن يعيش هنا هو وإخوته وأبناؤه من بعده، فتراه لا يحفل إن كان هذا المكان لائقاً للعيش أم تحوّل إلى مزبلة منظمة، ولا يرف له جفن إن رمى من نافذة سيارته كيساً من مخلفات وجبة خفيفة، فهذا الشارع ليس له، ولا هذه الأرض ولا بحرها ولا سماؤها تدنو من الوطن الذي يغمض عينيه وهما مفتوحتان.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .