عندما نروي بصورة وصفية التجاوزات التي وردت في تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير، ونقارن وضع المواطن اليوم بعد أن دفن تحت أتربة غلاء الأسعار، سيسود جو من الإحباط داخل النفوس المقهورة، فهناك مسؤولون خالفوا الأوامر والتعليمات، وانتهزوا الفرص وركزوا على ضياع وهدر المال العام، وأداروا ظهورهم لعملية التنمية والتطوير، وتسببوا في إصابة الكثير من الإدارات بالشلل... مسؤولون خلقوا محفزات جادة ليس للبناء والمستقبل الأفضل، إنما “للمحسوبية” وهدر المال العام والسعي وراء مصالحهم، وهؤلاء يجب أن يحاسبوا لأنهم يؤثرون تأثيرا ضارا على العمل في الجهاز الحكومي، فنحن حقيقة بأمس الحاجة إلى دراسة الأعمال والوظائف على أساس وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وعلى أساس تقييم الأداء، إذ لا يعقل أن يستمر أمثال هؤلاء المسؤولين بعد أن أعطونا صورة شاملة في التجاوزات والفساد.
وصل المواطن إلى ذروة اليأس وتحمله عربات القهر، وأخذ يتحدث بالمجهول عن المجهول، وفي مقابل ذلك مازالت هناك جهات ومؤسسات لا تعرف العمل بكفاءة وفاعلية ولا تقترب من تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي وتحقيق الأهداف العامة والاستخدام الأمثل للموارد والإمكانيات البشرية والمادية المتاحة، وهذه إشكالية خطيرة جدا لا تحتاج إلى شرح، فحين يطلب من المواطن “شد الحزام” والقبول بقرارات تهز أركان أسرته وبيته واتباع سياسات متكاملة من التقشف، وفي الطرف الآخر نشاهد جهات تهدر المال العام بطرق وأساليب متعددة ذكرها تقرير ديوان الرقابة، من المؤكد سيشعر المواطن “بالتعب النفسي”، وسيحرك البصر يمينا وشمالا مذهولا من ما يحصل، وسيعانق الحزن حتى الغضب، ثم سيستلقي في تابوت الصمت.
المواطن يحتاج إلى تحقيق توازن نفسي له، ولا شك أن أثر ذلك كله سينعكس على حياته، ولكي نحقق هذا التوزان يفترض أن نعمل بتخطيط تنظيمي سليم لإيجاد حلول سريعة في فترة زمنية قصيرة إلى كل من يستهتر باللوائح والقرارات التنظيمية والأداء والإنتاج ويبذر المال العام، لنبعد الصورة الكئيبة عن المواطن قبل أن تكون هي مقبرته.