+A
A-

الحياة جميلة... ولكن!

د.  خالد إسماعيل العلوي - استشاري الارشاد النفسيالمشكلة:

أنا فتاة أبلغ من العمر 22 سنة، متزوجة ولي طفل، وبسبب مشاكل عائلية انفصلت عن زوجي لمدة سنة ونصف، خلال هذه الفترة أنجبت طفلي الأول وبمساعدة أهلي تمكنت من اجتياز هذه التجربة بسلامة بعيدا عن زوجي وبدون مشاكل نفسية، وقد استطعت الجمع بين تربية طفلي وبين دراستي الجامعية وبتفوق والحمد لله. مشكلتي بدأت عندما تعرفت على شاب متزوج ولديه طفل يكبرني بـ4 سنوات.

بدأت هذه العلاقة كصداقة بريئة جدا ولكن مع مرور الوقت توطدت هذه العلاقة علما بأنه يعرف ظروفي العائلية جيدا ومن خلال مصارحتي له كنت أخبره بأن علاقتنا يجب ألا تتعدى حدود الصداقة إلا أنه يصر على أنه يحبني على الرغم من كوني متزوجة ولا أمل لحدوث ارتباط بيننا. 

لقد أصبح يكلمني ليل نهار وحتى عندما يسافر مع أهله أو زوجته يتصل بي ويطمئن علي وعلى طفلي وكان يصر على مقابلتي يوميا حتى ولو من بعيد أو لفترة بسيطة معللا ذلك بأنه يشتاق لي. لا أخفيك بأنني وخلال هذه الفترة تعلقت به لشدة اهتمامه بي وبمشاعري وربما يرجع ذلك لغياب زوجي وحاجتي للحب والحنان. مرت الشهور وفجأة ودون سابق إنذار انقطعت اتصالاته ولم يعد كما عهدته سابقا وحتى الرسائل القصيرة في الهاتف الجوال لا يرد عليها، ظننت في البداية أنه مريض أو مكروه أصابه إلا أنه وبعد محاولات مستميتة علل غيابه بمرض والدته وخلاف بين والده وشريكه في التجارة وشجار بينه وبين زوجته أدى لذهابها لبيت ذويها. 

قدرت مشاكله وعلى العكس من ذلك حاولت حل المشكلة بينه وبين زوجته بالنصح له وأخبرني بأنه وبمجرد انتهاء هذه المشاكل سيعود كما كان على سابق عهده وأني لا زلت حبيبته التي لا يستطيع الاستغناء عنها. 

ومرت الأيام ولم يتغير شيء وفي مواجهة بيني وبينه أخبرني أنه حاول الابتعاد عني لأنه أحس بأنه كثير التعلق بي ويجب أن يضع حدا لهذا التعلق إلا أنه لم يستطع وأنه سيعود كما عهدته سابقا. اكتشفت خلال فترة غيابه بمدى تعلقي به وأحسست بفراغ كبير وألم وحرقة وفي قلبي من جراء هجره لي وبدون أي سبب مقنع وسرعان ما تحول هذا الشعور إلى غضب ورغبة بالانتقام منه وبأي طريقة. 

كم أرغب في مقابلته وأن أبوح بما يجول في داخلي وأن أخرج كل مشاعر الغضب والكره.. أرجوك أن تخبرني بما يتوجب علي فعله ولكن لا تقل لي أن أنسى وأتابع حياتي بدون أن أعذبه بمثل ما تعذبت به.

 

الحل:

عزيزتي (الجريحة).. هل يعقل أن يعكر الإنسان صفو حياته بنفسه ويسهر مع المشاكل ليلا ونهارا دون أن يعي ما يجري حوله؟! فكيف تجرئين على فتح باب المشاكل وأنت ما زلت منفصلة عن زوجك بسبب بعض المشاكل العائلية وحدث ذلك مؤخرا حيث لم يمض سوى عام ونصف ولم ينته الأمر بعد وأنجبت طفلك الأول، ألا وقد كان إصرارك للدخول في متاهة جديدة، وكأنك تتشبثين بتوريط نفسك بيديك دون تحريض من أي جهة؟! وما هو محزن في وضعك هو ذهابك إلى النار بقدميك دون الالتفات إلى ما حدث بينك وبين زوجك مما جرك إلى الانفصال بسبب تسرعك على ما يبدو... ألا يجدر بك أن تتأني بعض الشيء لما يمكن أن يحدث من تحويل وتغيير في حياتك بإعادة المياه إلى مجاريها وإصلاح وترميم ما حدث في هذه الفترة الوجيزة من شرخ ربما كان تعديله بسيطا وسريعا ولا يتطلب التسريع في إنهائه وطي صفحته بتلك الطريقة التقليدية المتهورة؟!

لو أخذت الأمور بهذه الطريقة لمجرد أسباب عائلية بسيطة لتحطمت الأرقام القياسية بنسبة الطلاق ولأمتلئت المحاكم بقضايا الطلاق والانفصال بطريقة حركة عداد الكهرباء الصاروخية.. ثم بودي أن أتساءل عن مدى هذه العلاقة الجديدة التي انتهت على ما يبدو قبل أن تبدأ، ولا تنم في مجملها إلا على التناقض فكيف استطعت الجمع بين تربية طفلك ودراستك الجامعية بتفوق، في حين أنك أسست علاقة بشاب متزوج ولديه طفل؟!!

أتفسرين النجاح والتفوق دراسيا فقط؟! وماذا عن سوء اختيارك لتكوين علاقة جديدة من شاب متزوج ولديه طفل ومستقر في حياته، أهذا يعقل يا سيدتي الفاضلة أن تبني حياتك على حساب دمار وهدم حياة إنسانة أخرى.. أهكذا يستفيد الإنسان من تجاربه السابقة بجلب مشكلة أخرى أصعب وبإيقاع نفسه في مأزق آخر؟! ألا كان من الأجدر أن يكون اختيارك أفضل بكثير من المرة الأولى ولاسيما أنها كانت أول تجربة في حياتك وكان ينبغي عليك أن تتعلمي الكثير مع تجنب الوقوع في أزمات وأنت في غنى عنها ثم وددت أن أستفسر منك يا سيدتي الفاضلة هل هناك صداقة بريئة بين رجل وامرأة في هذا الزمن؟! وما هذا التناقض عندما تقولين “ومن خلال مصارحتي له كنت أخبره بأن علاقتنا يجب ألا تتعدى حدود الصداقة، إلا أنه كان يصر على أنه يحبني وعلى الرغم من كوني متزوجة ولا أمل لحدوث ارتباط بيننا”.

سيدتي الفاضلة، لنكن صادقين وأمناء مع أنفسنا أولا وأخيرا قبل أن نكون مع الآخرين.. ولا داع لتلك البهرجة والإطار الجميل لمعنى المثالية على أن هناك إعجاب أو صداقة فقط دون أن يتطور هذا المفهوم لدغدغة العواطف وأسر الوجدان وخضوعه لدروب الوله والعشق وما يمكن أن يترتب وينتج من جراء ذلك نهاية تعيسة وحزينة، لاسيما إذا كانت تلك الدروب شائكة من بدايتها!!

لهذا، لن أسترسل في الحديث بشأن ذلك، ولن أترجم تلك المصطلحات أكثر مما تم تفسيره سابقا عبر هذه الصفحة التي تعد معجما ودليلا واضحا لما ورد فيها من تلك المشاكل الشبيهة وحلولها المتكررة.

إلا أنني أنصحك با عزيزتي بالعدول عن قرار الانتقام والابتعاد عن حياة هذا الشاب الذي يبدو أنه أدرك خطأه وينوي التراجع عن قرار ربما اتخذه في لحظة طيش، فجاءت تلك الصحوة تنير طريقه وتنبهه على أن هناك خطرا ما يهدد كيان أسرته المستقرة!!

فدعي هذا الشاب وشأنه ولا داعي لأن تعكري صفو حياته وحياتك، فالأفضل أن تبحثي عن شاب في ظروف أنسب ووضع يتوافق مع وضعك وبهدوء وتأن بعيدا عن العراقيل وحجرات التعثر، بل في جو يتسم بالحب والتفاهم وصولا إلى الزواج الموفق في أجمل صوره الطبيعية وليس بحرقة قلب أو الم أو شعور حب يتحول إلى غضب ورغبة في الانتقام وعذابات متبادلة.. فتجنبي ذلك وأغلقي صفحة اليأس ولاعذاب وافتحي صفحة جديدة في مكان آخر وعلى ضفاف نهر ينبع حبا وتفاؤلا.. والله والموفق.