+A
A-

النقد العربي يشارك بورقة عمل في ندوة "ما بعد النفط: الآفاق والحلول"

شارك معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي بورقة عمل في ندوة "اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لعصر ما بعد النفط: الآفاق والحلول"، التي نظمتها غرفة تجارة وصناعة عُمان بالتعاون مع اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي يوم الأربعاء الموافق 24 مايو 2017. 
وتهدف هذه الفعالية إلى استشراف مستقبل اقتصادات دول المجلس فيما بعد عصر النفط وتدارس الخيارات المتاحة لدعم الأداء الاقتصادي وضمان الحياة الكريمة لشعوب دول المجلس وتعزيز مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. 
وقد غطت الندوة ثلاثة محاور رئيسية، تمثل المحور الأول في "الفرص الواعدة للقطاعات غير النفطية"، وتناول الثاني "تمكين القطاع الخاص الخليجي لقيادة دفة التنمية الاقتصادية"، في حين ركز المحور الثالث على "مصادر السيولة والتمويل المستقبلية في دول مجلس التعاون". 
وتضمنت الجلسة الثالثة من الندوة ورقة عمل قدمها معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي ركزت على عدد من النقاط من بينها التطورات في البيئة الاقتصادية والمالية الدولية مشيرةً إلى تباطؤ معدل نمو الاقتصاد العالمي في ضوء استمرار التحديات الاقتصادية التي يعاني منها عدد من الدول المتقدمة والنامية التي من أهمها ضعف مستويات الاستثمار والانتاجية، وتباطؤ معدلات نمو التجارة الدولية، وارتفاع معدلات البطالة. 
وأشارت الورقة إلى أن تلك التطورات قد نتج عنها انخفاض مستويات الطلب على العديد من السلع الأساسية في ظل وفرة في مستويات المعروض من بعضها لا سيما النفط، الذي اتخذت أسعاره منحى تنازلياً منذ منتصف عام 2014 ليسجل تراجعاً بنسبة 58 في المائة في عام 2016 مقارنة بمستويات الأسعار المسجلة في عام 2014 وفقاً لبيانات منظمة الأقطار المُصدرة للنفط (أوبك). 
وكان من محصلة ما سبق الإشارة إليه، تأثر الأوضاع الاقتصادية في مجموعة الدول النامية والأسواق الصاعدة خاصة الدول المُصدرة الرئيسية للسلع الأساسية، وهو ما انعكس في صورة تحقيق موازين مدفوعات وموازنات هذه الدول لعجوزات، ومن ثم تنامي الاحتياجات التمويلية لهذه البلدان في الوقت الذي تتسم فيه البيئة الدولية بضيق أوضاع التمويل.
في هذا السياق، تطرقت الورقة إلى انعكاسات هذه التطورات على اقتصادات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ففي ظل اعتماد هذه الاقتصادات على صادرات وإيرادات النفط التي تسهم بجانب هام من مجمل الصادرات والإيرادات العامة، تأثرت مستويات النشاط الاقتصادي كنتيجة لتباطؤ معدل نمو الناتج في قطاعات النفط والغاز. 
كما شهدت اقتصادات دول المجلس نتيجة لتلك التطورات تنامياً في احتياجات التمويل في ضوء اتساع الفجوة ما بين مستوى الإيرادات والنفقات العامة، تحول معها الفائض المُسجل في الموازنة العامة لدول المجلس البالغ نسبته نحو 6.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 - ولأول مرة منذ سنوات طويلة- إلى عجز قاربت نسبته 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016، وهو ما استلزم اتجاه دول المجلس إلى تبني تدابير لضبط أوضاع المالية العامة انخفضت على أثرها مستويات الانفاق العام المحفز الرئيسي للنشاط الاقتصادي في عدد من القطاعات غير النفطية. 
وتطرقت الورقة كذلك إلى الأوضاع النقدية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث انعكست التطورات المشار إليها على أوضاع السيولة المحلية في ضوء تراجع معدلات نمو الودائع المحلية في عدد من دول المجلس نتيجة تأثر مستويات الودائع الحكومية التي تشكل نسبة مهمة من إجمالي الودائع في الجهاز المصرفي، في الوقت الذي شهدت فيه احتياجات التمويل زيادة ملحوظة لا سيما فيما يتعلق بالتمويل الممنوح للحكومات لسداد جانباً من العجوزات في الموازنات العامة.
من جهة أخرى، تطرقت الورقة إلى الانعكاسات على صعيد السياسات، وبينت أن التطورات الدولية والإقليمية المُشار إليها قد دفعت المصارف المركزية ووزارات المالية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى إتخاذ إجراءات استباقية في اتجاهين رئيسيين لضمان تخفيف آثار تلك التطورات على أوضاع الاقتصاد الكلي، تمثلا في: 1. تبني سياسات وإجراءات لدعم أوضاع السيولة المحلية، و2. التحول باتجاه مزيج متنوع ومبتكر من سياسات التمويل. 
فمن زاوية تخفيف الضغوطات الناتجة عن تطورات أوضاع السيولة المحلية، لجأ عدد من المصارف المركزية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى تدابير عدة لدعم أوضاع السيولة المحلية شملت على سبيل المثال ضخ ودائع حكومية في القطاع المصرفي، ورفع سقف نسبة الإقراض إلى الودائع، والتوسع في تسهيلات إعادة الشراء المخصصة لدعم السيولة بآجال مختلفة وخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي. 
أما من حيث تبني مزيج متنوع ومبتكر من خيارات التمويل، أشارت الورقة التي قدمها معالي الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي إلى أن هذا الأمر يستند إلى رؤية استراتيجية من دول المجلس لتنويع مصادر التمويل بما يسمح بقدر من الموائمة بين اعتبارات توفير التمويل المطلوب بكلفة ملائمة، واعتبارات تقليل مستويات المخاطر التي قد تنتج عن تزايد الاعتماد على مصدر واحد من مصادر التمويل. في هذا السياق ظهر اعتماد دول المجلس على عدد من الآليات التي تمثلت في: الاتجاه إلى تعزيز الإيرادات غير الهيدروكربونية، والسحب من صناديق الثروة ومن الاحتياطات الأجنبية، والتمويل من خلال إصدار أدوات الدين بالعملة المحلية (سندات وصكوك)، والاقتراض الخارجي، والشراكة مع القطاع الخاص. 
أما من حيث استشراف الرؤية المستقبلية، فقد أكدت الورقة على أن الجهود التي تقوم بها دول المجلس على مختلف الأصعدة إنما تعكس رؤية صناع القرار في هذه البلدان، وحرصهم على تطوير آفاق أرحب لاقتصادات دول المجلس تتسم بمستويات أكبر من التنويع الاقتصادي ليس فقط على صعيد القاعدة الانتاجية وإنما أيضاً على صعيد تنويع مصادر الإيرادات العامة وهيكل التصدير. 
كما تطرقت الورقة إلى المؤسسات المالية العربية والدور المناط بها لتكثيف الجهود بما يتماشى مع هذه الرؤية المستقبلية لحفز الطاقات والجهود باتجاه تحقيق الغايات المنشودة لدول المجلس، مشيرةً في هذا الصدد إلى دور صندوق النقد العربي في دعم تطوير الأسواق المالية كأحد أهم الآليات الداعمة لتوفير قنوات متعددة وكفؤة لتمويل النشاط الاقتصادي في البلدان العربية. 
وقد تبنى الصندوق في عام 2015 إطاراً استراتيجياً مستقبلياً للفترة 2015-2020 يستهدف "أن يكون الصندوق مؤسسة مالية عربية رائدة في مجال دعم الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية للوصول لمراكز الاستقرار في المنطقة العربية". ومن بين الأهداف الاستراتيجية المتضمنة في هذا الإطار توسيع برامج ومبادرات القطاع المالي والمصرفي وتعزيز فرص الوصول للتمويل والخدمات المالية في البلدان الأعضاء. 
وسعياً لتحقيق هذا الهدف، يتبنى الصندوق عدة آليات ومبادرات تشمل فيما بينها مبادرة لتطوير أسواق إصدارات الدين بالعملة المحلية في الدول العربية، بهدف تفعيل وتعزيز وظائف أسواق أدوات الدين للقطاع العام والقطاع الخاص في الدول العربية ورفع مستويات كفاءتها. 
من جهة أخرى يسعى صندوق النقد العربي من خلال عدد آخر من المبادرات إلى توفير ودعم مصادر التمويل طويل الأجل اللازم لتعزيز مستويات الأداء الاقتصادي في البلدان الأعضاء، بالتالي تنويع قاعدة المستثمرين لتشتمل على المؤسسات الاستثمارية طويلة الأجل بطبيعتها مثل صناديق التأمين والمعاشات، وهو ما سيساعد على توفير التمويل اللازم للمشروعات التي لا يمكن تمويلها من خلال أدوات التمويل قصير الأجل بالتالي تمكين تلك البلدان من دعم النمو الاقتصادي.