تتجه الأنظار نحو اجتماع “أستانة” المنُعقد في دولة كازاخستان بحضور النظام السوري بمعية تركيا وإيران وروسيا والمُعارضة السورية، وبحضور أميركا كفريق مراقب وغياب العرب والدول الأوروبية عن هذا المشهد العربي. ونقرأ من هذا المشهد أن الحضور فيه لإيران لما لها من تأثير على النظام السوري نتيجة مشاركة فصائلها الطائفية العربية والأفغانية تحت قيادة فيلق القدس في المعارك الدائرة على الأرض السورية، ويبدو أن تركيا وروسيا سيكون لهما القرار الأضعف في هذا المشهد.
لقد تم عقد هذا الاجتماع لفرض إرادة القوي على الضعيف والأكثرية على القلة، خصوصا أن النظام السوري بفضل ميليشيات فيلق القدس الأرضية والقوى الجوية الروسية أصبح يُسيطر على غالبية مساحة الأرض مع غياب الإدارة السورية. ومن أجل أن تتقاسم إيران وروسيا الأدوار والنفوذ بعد انتهاء المعارك الميدانية والانتقال إلى مرحلة الحل السياسي. ولا يتفق هذا مع أجندة وأهداف فريق المعارضة السورية المُتعلقة برحيل الأسد وبناء دولة ديمقراطية مدنية، خصوصا بعد أن تغيرت رؤية تركيا التي ساندت الثورة السورية في البداية واليوم تخلت عن ثوابتها السابقة المُتعلقة برحيل الأسد.
إن ما حدث لسوريا هو ذاته ما حدث لليبيا والعراق واليمن ومصر جراء ثورات الربيع العربي التي وعدت بتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة واجتثاثها من الدكتاتورية والفساد والتبعية. لكن لا حرية جاءت ولا ديمقراطية حلت ولا عدالة وجدت، بل النتيجة السيئة علينا نزلت، وأراضينا تفككت، وقوتنا تمزقت. ورصاصنا لم يصب عدونا بل توجه إلى صدورنا، ودمرت أسلحتنا بيوتنا، فهل الأستانة وجميع المتفقين والحاضرين سيكونون قادرين على استرجاع ما خسره السوريون من الدم والبشر والحجر؟ لقد أصبح الملف السوري عبئًا ليس فقط على العرب بل دول العالم قاطبة نظرًا لكثرة أوراقه وعُقده السياسية والعسكرية والاقتصادية المتداخلة.
إن الصراع طال أمده كثيرًا ولكنه ليس من أجل سوريا ولا شعبها، بل هو صراع من أجل السلطة، من أجل حُكم سوريا، فهل تستحق كل هذه الدماء وهذا الدمار الجلوس على كرسي الحُكم؟ وهل سيتمكن فريق المعارضة أو فريق الأسد من إدارة سوريا كما كانت قبل هذا الصراع الدامي المُدمر؟ لن تهدأ سوريا بعد هذا الصراع، بل ستتحول إلى دولة مفككة سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا، وستنتقل من الصراع العسكري إلى ساحة الصراع السياسي والطائفي.