العدد 2893
الخميس 15 سبتمبر 2016
banner
من يدافع عمّا لا يملك؟!
الخميس 15 سبتمبر 2016

الوطن العربي، من أقصاه إلى أقصاه بحاجة إلى دراسات اجتماعية معمّقة، لقياس معنى الوطن والوطنية، لأن مستوى الهجرات من الوطن العربي أمر خطير ومتصاعد، ليس بالنسبة للفقير الذي يبحث عن فرص أفضل للعيش، وحسب، ولا للعالم الذي يريد النجاة بعلمه وعقله وحسب، وليس للخائف الذي يريد الأمن لنفسه وعائلته، وحسب، إنها أمور متشابكة ببعضها تجعل العربي “يفرّ”، وليس يهاجر فقط!
لقد أخفقت معظم الأنظمة العربية في زرع الولاء في الشعوب لبلدانها، دعنا من الفكرة القومية، و“بلاد العرب أوطاني”، فهذه اليوم صارت من الطوباويات التي من الصعب استعادتها، فبعد أن كانت البيارق العربية أمرا من المعيب ألا يعرفه أي عربي، صار من العار أن لا يعرف الواحد منا كم نجمة ترصّع العلم الأميركي، ومع ذلك يظل السؤال قائماً: هل نجحت الأنظمة هذه في خلق الولاء للوطن؟ للوطن وليس للانتماءات الحزبية؟ للوطن مع المحبة وارتعاش القلب إشفاقاً؟!
استلفتتني عبارة غاية في الإيلام، ومصدر ألمها يكمن في واقعيتها. إذ تقول: “لماذا تبدو بيوت العرب في غاية النظافة، بينما شوارعهم والأماكن العامة في بلادهم تفيض بالقاذورات؟!” هذه العبارة التي  قالها الكاتب البريطاني المعروف روبرت فيسك في 2009 بحرقة تفوق حرقة الكثير من بني جلدتنا في تعليقه على ما جاء في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية الذي تحدّث عن تدني مستوى المعيشة في معظم بلدان العالم العربي ذاك العام. وفي تعليقه على النتيجة التي توصل إليها قال: “اعتقدت أن المشكلة الحقيقية في العقل العربي، فهم لا يشعرون ببلادهم. لقد قبلوا بفقدان الحماسة للوحدة العربية والوطنية باستمرار، وشعرت أنهم افتقدوا الإحساس بالانتماء لأوطانهم، والأهم من ذلك أنهم غير قادرين على اختيار نواب حقيقيين لهم، وانتشر بين العالم العربي مفهوم إلقاء المسؤولية على الآخر”.
من حقنا أن نختلف مع فيسك، فكلامه ليس منزّلاً ولا قاطعاً، ولكن لنبحث عن تفسير مقنع غير هذا الذي قاله كلمة كلمة، لأننا سنسلم في نهاية المطاف بأنها بعضٌ من أهم مشاكلنا. ليست الهجرات وحدها ما يخيف، الأكثر قسوة هي مساحة الغربة في أحضان الأوطان.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .