كالعادة وقبل انطلاق الدوريات والمسابقات الأوروبية الكبيرة يتّجه التركيز الإعلامي حول سوق انتقالات اللاعبين ومعرفة كل تفاصيله عن كثب نظرًا للقيمة الكبيرة التي يحظى بها الميركاتو من جّل المتابعين للمسابقات الأوروبية الكبيرة، حيث تتنافس الصحف والوسائل الإعلامية على تناقل الاخبار الموثوقة والمتعلقة بأبرز الانتقالات أو المتوقع حدوثها حتى موعد إغلاق السوق، يكاد يكون بعضها صحيحًا، بيد أن في الوقت ذاته قد تملأ هذه الصحف أوراقها بالعديد من الأخبار المغلوطة والبعيدة عن الحقيقة والواقع، فقط لتملأ المساحات الفارغة بالحبر ولا يهم حتى لو كان أصفرًا!!.
لذا، سنقوم من خلال هذه المساحة باستعراض أهم الصفقات التي تمت في الميركاتو منذ بدايته وحتى كتابة هذا الموضوع، وسنحاول تسليط الضوء على قيمة هذه الصفقات وكيف سيكون مردودها على الفرق التي أتمتها.

*الميركاتو الإيطالي
تعمدت أن أبدأ في الحديث عن سوق الانتقالات المتعلق بالدوري الايطالي تحديدًا، وذلك لأنه تضمن أكثر صفقة أثارت الجدل في الأوساط العالمية برمتّها في هذا الصيف لحد الآن، وأعني تلك الصفقة التي عقدها يوفنتوس المتربع على العرش الايطالي بتعاقده الرسمي مع مهاجم نابولي الأرجنتيني جونزالو هيغوايين بقيمة قياسية بلغت 90 مليون يورو لتصبح الصفقة الأغلى في تاريخ الدوري الايطالي، هذه الصفقة حركت مشاعر أبناء الجنوب في نابولي وجعلت أنفسهم تتذوق مرارة الألم والحسرة، ليس بسبب خسارتهم لنجمهم الأول في الفريق بل لأن انتقاله جاء لأقوى المنافسين وأكثرهم عداوةً على الإطلاق، مما أجبر رئيس نادي نابولي دي لاورنتيس بالتصريح عبر الإعلام علانيةً بأن هيغوايين قد خان العهد الذي بينه وبين أبناء الجنوب!!.
الجدل في هذه الصفقة لم يتوقف عند عتاب وغيض مشجعي نابولي فحسب، بل إن العديد من النقاد والمحللين والمتابعين اعتبروا أن قيمة انتقال هيغواين لليوفنتوس تبدو مبالغة جدًّا من حيث السعر ويعتقدون أن اللاعب الملقب بـ”البيبيتا” لا يستحق هذا المبلغ الباهظ، على الرغم من أنه قدم موسمًا استثنائيًّا العام الماضي وكسر أرقامًا قياسية ظلت صامدة لعقود طويلة في تاريخ الكالتشيو، لكن ماذا لو نظرنا لهذه الصفقة من ناحية أخرى أكثر تعمقية وبحيادية تامة، ولنا في ذلك بعض التساؤلات.. هل يعقل أن في الزمن الذي بلغت قيمة بعض اللاعبين المتوسطين أو الأقل من ذلك الكثير من الأموال المبالغ فيها أن يتم التعجب من قيمة مهاجم سوبر يعتبر واحدًا من أفضل ثلاثة مهاجمين صريحين في القارة العجوز؟.. هل يعقل أن نستغرب من قيمة هيغوايين الفعلية بعد أن نعلم أن رودريغيز مدريد بلغت قيمته 82 مليون يورو وهو لاعب دكة؟!.. وهل نشكك في قيمة هيغواين إذا ما علمنا أن مارشيال اليونايتد بلغت قيمته 80 مليون يورو، وهو الذي لم يقدم أي إضافة للمانيو؟!.. وهل صفقة هيغواين سنعتبرها غريبة لو علمنا أن ديفيد لويز باريس انتقل بصفقة قياسية بلغت 50 مليون يورو وهو المدافع الذي لا يصنف من ضمن كبار المدافعين في العالم؟!!.
ما أردت البحث عنه من كل ما مضى، أنني أتفق نوعًا ما مع من يصف قيمة صفقة هيغوايين بالمبالغ فيها، بيد أنني في الوقت نفسه بتُّ مقتنعًا أكثر أن قيمة هيغوايين السوقية تعتبر طبيعية ومنطقية جدًّا وفقًا للأسعار التي يدار بها هذا السوق المجنون، فأسعار هيغوايين ورودريغيز ومارشيال ولويز وغيرهم الكثير ما كانت لتصل لهذه القيمة لولا افتقار إدارات أندية الأموال المعروفة للجميع للحنكة اللازمة!!. فأندية الأموال دمرّت السوق .. فلا عجب ولا عجاب من أي صفقة ستتم في المستقبل!!.
ولو استثنينا صفقة هيغوايين التي تمت بشكل رسمي، فإن الجدل سيعود من الجديد بل إنه سيغطي على صفقة هيغوايين إذا ما تمت بالفعل صفقة انتقال الفرنسي بول بوغبا من يوفنتوس لمانشستر يونايتد، إذ اتفقت أغلب الوسائل الاعلامية أن الصفقة قد تمت بالفعل أو أوشكت على الانتهاء تقريبًا وبقيمة باهظة جدًّا قد تصل إلى 140 مليون يورو شاملةً قيمة اللاعب ونسبة وكيل أعماله الشهير رايولا، بالإضافة لبعض المبالغ المتعلقة بالمكافآت وحقوق صور اللاعب، فالمبلغ الذي وضعته إدارة يوفنتوس كبير جدًّا وصعب الاقتناع به مطلقًا، لكن نوايا إدارة السيدة العجوز واضحة جدًّا، فرصد هذا المبلغ الكبير هو استهداف لغايتين لا ثالث لهما، فمسيّرو النادي أرادوا من رصد هذا المبلغ الهائل وضع العقبات أمام الأندية الطامحة بضمه لكي يتم المحافظة على اللاعب، في الوقت الذي إن رضخوا لرغبات اليونايتد فإنهم سيدرّون أموال بناء الملعب الذي بنوه قبل خمس سنوات ومن لاعب تعاقدوا معه بالمجان، وبالتالي ستنتعش ميزانية النادي لجلب أكثر من لاعب بارز ليكون بديلاً لبوغبا!!.
وبعيدًا عن جدل هيغواين وصفقة بوغبا المجنونة، باتت نوايا يوفنتوس واضحة جدًّا بعد سلسلة من التعاقدات المميزة بدءًا بداني الفيس وانتهاءً بهيغوايين وربما قد تدخل أسماء جديدة أيضًا، الهدف أصبح لقب دوري الأبطال الذي طال انتظاره، فمستحيل أن تكون الإدارة بهذه التعاقدات الكبيرة والمميزة أنها تبحث عن الألقاب المحلية، فاليوفي قادر على احتكارها لسنوات طويلة حتى بالصف الثاني ولا يستلزم الأمر أي تعاقدات جديدة!!.
من الملاحظ أن أغلب الحديث عن سوق الانتقالات الايطالي كان عن يوفنتوس فقط، وهذا أمر طبيعي جدًّا لأن الصفقات التي عقدها تستحق الوقوف عندها، بينما بقية المنافسين بالكاد يجرون بعض الصفقات الخجولة التي لا تقارن إطلاقًا بقيمة صفقات البيانكونيري، فصفقات الانتر حتى الآن لا تبدو أنها ستطور جودة الفريق كثيرًا، ونابولي مترنح بعد ضياع هيغواين ولا يعلم كيف يجد البديل، وروما بات محتارًا في إيجاد من يرغب باللعب معه، أما الميلان فإنه لا حول له ولا قوة في هذا الميركاتو!!.