العدد 2828
الثلاثاء 12 يوليو 2016
banner
نبض العالم علي العيناتي
علي العيناتي
سانتوس خنق الديوك وصنع المستحيل!!
الثلاثاء 12 يوليو 2016

طالما وصلت البرتغال للنهائي وبغض النظر عن الكيفية التي وصلت لها، إذن لابد أن تكون لها حظوظ للفوز باللقب ولا يوجد ما يمنعها من ذلك.. هذا كان لسان حال بعض المتابعين للقاء النهائي الذي لعب بين فرنسا والبرتغال، وبالفعل صدقت كل هذه الظنون وفازت البرتغال بلقب اليورو 2016 بعد فوزها العسير على صاحبة الضيافة بهدف نظيف، لتعلن عن مفاجأة مدوّية هزت كل أرجاء القارة العجوز ولم يتوقعها غالبية المترقبين، خصوصًا وأن البرتغال كانت بعيدة نوعًا ما عن الترشح للقب اليورو بعد المستويات الغير مقنعة التي قدمها السيلساو الأوروبي في المباريات السابقة، لتؤكد بطولة اليورو في نسختها الفرنسية أن المنطق والعقل لا مكان له في عالم المستديرة!!.
طبيعة الفوز بالنهائيات بشكل عام لا ينسب الفضل فيها لفرد في المنتخب وإنما يُحسب للمجموعة ككل بدءًا بالجهاز الفني وانتهاءً باللاعبين، بيد أن الفضل الأول والأخير لفوز البرتغال بنهائي اليورو يعود بالدرجة الأولى لمدربها القدير فيرناندو سانتوس أكثر من أي فرد آخر في البعثة البرتغالية، حيث قدم سانتوس درسًا كرويًّا في فنون التدريب بعد أن لعب بفكر عالٍ في الانضباط والتكتيك، وعرف كيف يسّير المباراة بالطريقة التي أرادها بفضل قراءته الدقيقة لمكامن ضعف وقوة الخصم، وما يزيد التأكيد على مدى براعته وحنكته في إدارة الفريق البرتغالي، هو نجاحه في الحفاظ على توازن المجموعة دون أن تختل بعد الخروج الاضطراري لأفضل وأقوى لاعب في البرتغال كريستيانو رونالدو الذي يعتبر أساس الفكر والتطبيق، فليس سهلاً على أي مدربٍ أن يتعامل مع صعوبة الظروف وحساسية مباراة نهائية في غياب أفضل لاعب في فريقه والذي يبني عليه كل خططه ويعتمد عليه في كل حساباته، فتُرفع القبعة لسانتوس على هذا الفكر والدهاء الرائع والذي لا يقل مكانةً عن فكر ودهاء أعظم مدربيّ الكرة. 
سانتوس بالإضافة لنجاحه بالفوز باللقب الأوروبي تمكّن من تغيير شكل البرتغال السلبي والذي طغى في معظم المباريات، إذ قدمت برازيل أوروبا أفضل أداء لها في البطولة على الإطلاق ومسحت صورتها الباهتة كثيرًا، حيث لعبت بتوازن كبير جدًّا بين الدفاع والهجوم، فكان خط دفاعها على قدر المسؤولية ونجح في إفساد كل المحاولات الفرنسية، في الوقت الذي كان لخطيّ الوسط والهجوم دور فاعل، واستطاع لاعبوه الحصول على بعض الفرص السانحة للتسجيل غير هدف ايدير “الذهبي”، لذلك كان فوز البرتغال هذه المرة مستحقًّا بالنتيجة والأداء بعكس المباريات السابقة.
الجماهير البرتغالية شعرت بالخوف والتوتر الشديد جراء مغادرة رونالدو الملعب بداعي الإصابة وخصوصًا أن وقت تبديله كان مبكرًا جدًّا، ولكن ربّ ضارةًٍ نافعة، فرغم تأثير غياب رونالدو الفني والمعنوي عن البرتغال في أوقات المباراة المتبقية، إلا أن البرتغال لعبت أفضل أداءً لها في البطولة بعد خروجه تحديدًا، وذلك لأن استراتيجية سانتوس تغيّرت تمامًا بعد فقدان الدون، حيث اضطر للاعتماد على اللعب كمجموعة متكاملة مما ساهم بتنوع اللعب كثيرًا، بعد أن كانت كل خططه المرسومة مبنية على كيفية إيصال الكرة لرونالدو وحده ولا سواه، لذلك كان مردود خروج رونالدو من الملعب إيجابيًّا أكثر مما هو سلبي، رغم أن الجميع كان يعتقد عكس ذلك وبما فيهم كاتب هذه السطور!!.
أما في الجانب الفرنسي، فقد كان المدرب ديشامب هو المذنب في خروج الجماهير الفرنسية من ملعب سان دوني تجر خلفها أذيال الهزيمة المؤلمة بسبب في فشله في إدارة الديوك، وذلك لسوء تصرفه مع الظروف التي كانت سانحة له بعد خروج رونالدو تحديدًا من الملعب، حيث لم يغيّر من نهج الفريق ولم يغير من أسلوبه واستمر بلعبه العشوائي بالاستحواذ السلبي دون أن يجد الحلول المناسبة لضرب الدفاع البرتغالي، ديشامب بدأ المباراة بخطة 4-4-1-1 وخسر بسببها جهود بوغبا تحديدًا الذي لم يكن له وجود حقيقي في الملعب، فبوغبا لاعب ذو إمكانات هجومية رهيبة ويتميز بمهاراته في صناعة الأهداف، بيد أن ديشامب الزمه بتطبيق المهام الدفاعية أكثر من اندفاعه لتقديم المساعدة الهجومية، ففقدت فرنسا بذلك عنصرًا مهمًّا كان قد يكون حلاً لفك العقم الهجومي، ولم يستطع إعادة توظيف غريزمان في اللقاء بعد أن تم فرض رقابة صارمة عليه أخرجته من جو المباراة، فكل ما قام به ديشامب هو تبديل لاعب بلاعب واللعب بنفس النهج لذلك فشل في ترك بصمته وخسر اللقاء بأحقية!!.
يورو 2016 ستكون بطولة للذكرى ولن ينساها التاريخ سريعًا بعد الأحداث الغريبة التي شهدتها البطولة، فيكفي أن يذكر التاريخ أن من فاز بلقبها كان من المفترض أن يغادر الدور الأول لولا نظام البطولة الجديد، ويكفي أن يحدث التاريخ عن العُقد الكثيرة التي انكسرت فيها بعد طول أمد.. فمن كسر إيطاليا لعقدة اسبانيا، إلى كسر المانيا عقدة ايطاليا، وصولاً بكسر فرنسا لعقدتها الألمانية، انتهاءً بكسر البرتغال لعقدة فرنسا التي لا تخسر النهائيات في باريس!!.
أخيرًا، أعتقد إن فوز البرتغال باللقب الأوروبي سيؤكد فوز النجم كريستيانو رونالدو بجائزة الكرة الذهبية لهذا الموسم دون الحاجة للانتظار، فهذا الإنجاز الكبير سيعطي رونالدو تقدمًاً كبيرًا عن اللاعبين المتوقع تنافسهم معه لهذه الجائزة، فموسم ابن ماديرا كان ناجحًا بكل المقاييس ويستحق عليه الفوز بالفيفا بالون دور بكل جدارة واستحقاق، فلا إنجاز يضاهي إنجاز الفوز بأقوى لقبين للأندية والمنتخبات الأوروبية في سنة واحدة.. دوري الأبطال وكأس اليورو!!.
ختامًا، أشكر كل القائمين على الملحق الرياضي لنجاحهم المنقطع النظير في التغطية الخاصة لبطولة اليورو وبشهادة الجميع، وأتمنى أن أكون قد وفقت في الطرح، وإلى أن يحين موعد اللقاء مع بطولات أخرى، لكم مني كل الاحترام والتقدير ودمتم سالمين.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية