العدد 2828
الثلاثاء 12 يوليو 2016
banner
لمــاذا لا نقــدرهــم؟
الثلاثاء 12 يوليو 2016

العّمال وهم يتصببون عرقا في مختلف مواقع عملهم وكفاحهم اليومي من أجل لقمة العيش، هل تتبقى فوارق من أي نوع بينهم؟ من منّا توقف ذات يوم أمامهم وهم يتفانون في أداء مهامهم كل صباح؟ كثيرون يمرون أمامهم دون أن يلقوا عليهم التحية فضلا عن إبداء لمسة عطف متناسين انّ ديننا الإسلامي يقدم الأجر لمن يسهمون بأي قدر من الخدمة. تصدمنا بلا شك تلك المعاملة القاسية لهم وممن شاء القدر أن يتولوا المسؤولية. فليس مستغربا إطلاقا ان تلامس اسماعك مفردات جارحة بحقهم من قبيل “يا.. ألا ترى الوسخ أمامك؟ اشتغل أيّها ال .. !” وتشعر حينها أنّ أداة حادة اخترقت قلبك، ويتملكك حينها احساس بالخجل والحزن لما آلت اليه سلوكياتنا وانحدرت اليه أخلاقنا.
 باتت كلمة “زبال” للأسف رائجة بين الاغلبية منا والمحزن ألا أحد يشعر بوقعها على هذا الإنسان الذي شاءت له اقداره امتهان النظافة بينما النظرة له في خارج بلداننا انه عامل النظافة وفي اليابان تحديدا مهندس النظافة. الكثيرون منّا يستكثرون على هذا الانسان القاء السلام مثالا أو سؤاله عن أحواله فضلا عن معاملته كصديق. وقلّة منا من تمنحه مبلغا بسيطا ولو تضاءلت الى حد الضآلة.
أستحضر في هذه المناسبة حكاية تم تداولها قبل سنوات رأيت أنها تحمل دلالة بليغة مفادها التالي، يقول أحدهم تفاجأت بسؤال ذكي جدا في مادة العلاقات العامة كان الدكتور قد خصص له درجة عالية وكان السؤال الذي لم يخطر على بال جميع الطلبة هو ما الاسم الاول لعامل النظافة؟ الحقيقة انّ السؤال كان صاعقا لنا نحن الطلبة فلم يخطر ببال احدنا يوما ما ان يكون السؤال بهذه الكيفية على الاطلاق.
 وأنا انظر ورقة الاجابة البيضاء في تلك اللحظة مستحضرا ابتسامة عامل النظافة الأسمر الذي كان يمر أمامي عشرات المرات يوميا دون ان اكلف نفسي الحديث معه أو سؤاله عن اسمه وكانت النتيجة النهائية انه لم يجب على السؤال سوى طالب واحد فقط من اصل 16 طالبا! لقد كشفنا الدكتور امام انفسنا وأراد ان يعلمنا درسا مهما وبارعا، علّمنا ليس درسا واحدا فقط بل علمنا دروسا عدة من خلال هذا السؤال البسيط اهمها على الاطلاق انّ بعض مفاتيح نجاحنا يكون بين أناس بسطاء لا نلقي لهم بالاً.. بينما هم في الواقع يمثلون اهمية بالغة لحياتنا، أما الدرس الآخر فهو ألا يكتفي اي مسؤول بالجلوس على المكتب، معزولا عن بقية من يشرف عليهم، ثم انّ هؤلاء من نتعالى عليهم يشكلون عنصرا لا غنى عنه لنا لاستمرار حياتنا.
 بعد انتهاء الامتحان توجّهت الى عامل النظافة مسرعا ومبتسما فبادلني الابتسامة والحوار وسألته: ما اسمك؟ فأجابني.. ولكن كانت المعلومة متأخرة جداً، كان رسولنا الأكرم محمد بن عبدالله (ص) يمثل بالنسبة لنا النموذج في التعامل مع البسطاء من الناس خصوصا، وفي حديث شريف “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء، إذا فعلتم تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم”.
في اليابان تجربة جديرة بالتأمل، إذ يقوم الطلبة بتنظيف مدارسهم كل يوم لمدة ربع ساعة مع المدرسين وهذا أدى الى ظهور جيل ياباني متواضع يقدّر عامل النظافة وحريص على النظافة، أما المدهش انّ عامل النظافة هناك يسمى مهندسا صحياً وبراتب يتراوح بين الخمسة آلاف والثمانية آلاف دولار شهرياً.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية