العدد 999
الأحد 10 يوليو 2011
banner
سيكولوجية القائد ومصير السيارة
السبت 27 أبريل 2024

عندما أتأمل حال البحرين مقارنة بأحوال دول عربية أخرى أتذكر مقولة جميلة للكاتب “باراج خانا” في كتاب “العالم الثاني”، وهي أن الدول تشبه العربات المتصادمة في الملاهي، حيث تمثل سيكولوجية السائق عاملا حاسما في فهم أي طريق ستسلكه السيارة وبأي سرعة.
ولو تأملنا أحوال الدول العربية في الأشهر الماضية لتحققت لنا هذه المقولة بحذافيرها، فالبحرين تعرضت كما تعرض غيرها من الدول العربية لاحتجاجات واضطرابات أمنية، ولكن الفرق كان فرقا بين قيادة وأخرى، فجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة له سيكولوجية خاصة في تعامله مع أبناء شعبه تختلف كثيرا عن سيكولوجية غيره من القادة، وهي الهدوء وعدم التعامل مع الأمور بانفعال قد يؤدي للانتقام ويزيد من تفاقم الأمور ويعطي الفرصة لمدبري الاضطرابات لكي يقوموا بتضخيم الأمور إعلاميا لخلق موقف دولي ضاغط.
غير أن هدوء جلالة الملك لم يصاحبه بطء في رد الفعل كما حدث لدى قادة آخرين، فجلالته تعامل مع الأمور بكل جدية ووضوح منذ اللحظة الأولى، وقال للجميع تعالوا إلى مائدة الحوار وتوافقوا سويا واصنعوا مستقبل هذا البلد، فليس لدينا ما نخفيه خاصة بعد سعينا الحثيث لمحاربة  الفساد المالي والإداري.
هذه السياسة العاقلة التي اتبعها جلالة الملك المفدى جعلت من السهل كشف أصحاب النوايا غير الطيبة تجاه البحرين؛ لأنها لم تترك لأحد ذريعة أو سببا للمزايدة، فقرر الجميع المشاركة في الحوار؛ حتى لا يشعروا بالعزلة ويفقدوا التأييد أو التعاطف الخارجي.
غير أن سيكولوجية القائد في دول عربية أخرى، رغم تباينها، كان لها آثار مختلفة في هذه الدول،ففي تونس قام القائد بالقفز من النافذة وترك السيارة على اعتبار أنه لا أمل في طريقة أخرى للنجاة.
الرئيس زين العابدين بن علي أدرك مبكرا أنه لا حل، وأن الخرق قد اتسع على الراقع ولا سبيل للتفاوض أو المماطلة، فقرر الرحيل وترك الأمور للشعب والجيش ليدبروا أمورهم، وقام بالرحيل مبكرا.
أما في مصر، فلم يستطع القائد أن يدرك حجم الخطر الذي يحدق به، فاعتمد على التسويف وعلى تبني الحلول بعد أن يتجاوزها الزمن وبعد أن تصبح منتهية المفعول، وكان كالذي ينتج اللقاح بعد أن يكون الفيروس قد طور نفسه.
سياسة عدم التسرع والبطء في رد الفعل أفادت الرئيس حسني مبارك خلال ثلاثين عاما، ولكنها لم تكن مفيدة له خلال التحرك الشعبي الذي أطاح بالنظام بأكمله؛ لأنه كان قد انفصل عن الشعب تماما بفعل الطاقم المحيط به.
أما في سوريا واليمن وليبيا، فقد دخل القائد في حرب مع الشعب لا يبدو لها نهاية ويخشى على الدولة بكاملها بسبب سيكولوجية القادة الثلاثة.
ليس معنى هذا الكلام أن سيكولوجية القائد هي وحدها العامل الحاسم فيما جرى وفيما يجري في العالم العربي، ولكنها كانت عاملا مهما في حل المسألة أو في تطور الأمور إلى الأسوأ في ظل بيئات سياسية واجتماعية متقاربة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .