+A
A-

أم علي رافقت ابنها مريض السرطان بالأمل والتفاؤل في رحلة العلاج

إعداد‭: ‬حسن‭ ‬فضل

‮«‬صحتنا‮»‬‭ ‬اهتمت‭ ‬بتوثيق‭ ‬ونقل‭ ‬تجارب‭ ‬المتعافين‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬السرطان‭ ‬لتكون‭ ‬ملهمة‭ ‬للآخرين‭ ‬وتكون‭ ‬محطة‭ ‬يستلهم‭ ‬منها‭ ‬مرضى‭ ‬السرطان‭ ‬خلاصة‭ ‬تجارب‭ ‬الآخرين‭ ‬وكيف‭ ‬يواجهون‭ ‬وحشيته‭. ‬قصص‭ ‬في‭ ‬جعبتها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الألم،‭ ‬ولكن‭ ‬الأمل‭ ‬كان‭ ‬حاضرا‭ ‬فيها‭ ‬بقوة‭. ‬أمل‭ ‬ينسف‭ ‬كل‭ ‬شعور‭ ‬يأس‭ ‬وإحباط‭ ‬وخوف‭ ‬وقلق‭. ‬قصص‭ ‬تثبت‭ ‬أن‭ ‬مرض‭ ‬السرطان‭ ‬يمكن‭ ‬هزيمته‭.‬

قصتنا‭ ‬اليوم‭ ‬مختلفة،‭ ‬فبطلتها‭ ‬والدة‭ ‬طفل‭ ‬متعاف‭ ‬من‭ ‬السرطان‭. ‬قصة‭ ‬والدة‭ ‬الطفل‭ ‬علي‭ ‬فردان‭ ‬المصاب‭ ‬باللوكيميا‭ ‬تستحضر‭ ‬كل‭ ‬مشاعر‭ ‬الأمومة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هاجس‭ ‬الفقد‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الرحمة‭. ‬وتقرأ‭ ‬فيها‭ ‬شعور‭ ‬كل‭ ‬أم‭ ‬أصيب‭ ‬ابنها‭ ‬بهذا‭ ‬المرض‭. ‬والدة‭ ‬المريض‭ ‬علي‭ ‬التي‭ ‬انهارت‭ ‬حين‭ ‬وصلها‭ ‬نبأ‭ ‬إصابة‭ ‬ابنها‭ ‬ثم‭ ‬أصبحت‭ ‬ملهمة‭ ‬لكل‭ ‬أم‭ ‬طفل‭ ‬سرطان‭.‬

كيف‭ ‬كانت‭ ‬حياة‭ ‬علي‭ ‬قبل‭ ‬الإصابة؟

كانت‭ ‬حياته‭ ‬مستقرة‭ ‬قبل‭ ‬المرض،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مشكلة،‭ ‬فقط‭ ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬ثلاسيميا‭ ‬ونقص‭ ‬خميرة،‭ ‬لكن‭ ‬حياته‭ ‬كانت‭ ‬طبيعية‭ ‬جدًا،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مشكلات،‭ ‬حياة‭ ‬تضج‭ ‬ببراءة‭ ‬الطفولة‭ ‬وهدوئها‭ ‬وجمالها‭.‬ التحق‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬السنتين‭ ‬بالروضة‭ ‬لتعلم‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الألعاب؛‭ ‬حرصًا‭ ‬من‭ ‬العائلة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكتسب‭ ‬كل‭ ‬المهارات‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬كان‭ ‬طفلا‭ ‬طبيعيا،‭ ‬ويعيش‭ ‬طفولته‭ ‬كباقي‭ ‬الأطفال‭ ‬بهدوء‭ ‬وأمان‭ ‬وطمأنينة‭.‬

 

متى‭ ‬أصيب‭ ‬بالمرض‭ ‬وكيف‭ ‬تلقيتم‭ ‬الخبر؟

كنت‭ ‬ألاحظ‭ ‬وجود‭ ‬كدمات‭ ‬على‭ ‬أرجله،‭ ‬كدمات‭ ‬زرقاء‭ ‬وبنفسجية‭ ‬وخضراء‭. ‬وكان‭ ‬الجميع‭ ‬يسألني‭ ‬عنها‭ ‬وعن‭ ‬سببها،‭ ‬كنت‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬استغراب،‭ ‬ولكنني‭ ‬كنت‭ ‬أرجح‭ ‬السبب‭ ‬لكثرة‭ ‬حركة‭ ‬علي،‭ ‬فكنت‭ ‬أتوقع‭ ‬أنه‭ ‬سقط‭ ‬والكدمات‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬السقوط،‭ ‬لذلك‭ ‬أقنعت‭ ‬نفسي‭ ‬بأنه‭ ‬سقط‭ ‬بعد‭ ‬اللعب‭ ‬لكثرة‭ ‬حركته‭.‬ في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬كنت‭ ‬أوقظه‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الروضة،‭ ‬يوم‭ ‬كسائر‭ ‬الأيام،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬لم‭ ‬يستجيب‭ ‬ورفض‭ ‬النهوض،‭ ‬وعندما‭ ‬استيقظ‭ ‬كان‭ ‬أمرًا‭ ‬مريبا‭ ‬يحدث،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يمشي‭ ‬ويسقط‭ ‬مثل‭ ‬طفل‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬تعلمه‭ ‬المشي‭.‬

ذهبت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬إحدى‭ ‬العيادات‭ ‬الخاصة،‭ ‬وأخبرت‭ ‬الطبيبة‭ ‬بالتفاصيل،‭ ‬فأجرت‭ ‬فحوصات‭ ‬أولية‭ ‬من‭ ‬قياس‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬والكشف‭ ‬على‭ ‬البلعوم‭ ‬والأذن‭ ‬وكل‭ ‬الأمور‭ ‬كانت‭ ‬سليمة،‭ ‬عندها‭ ‬طلبت‭ ‬الطبيبة‭ ‬من‭ ‬علي‭ ‬الحضور‭ ‬لها،‭ ‬استجاب‭ ‬علي‭ ‬ومشى‭ ‬قليلًا‭ ‬وسقط‭ ‬وحاول‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وسقط،‭ ‬ويبدوا‭ ‬أن‭ ‬الطبيبة‭ ‬شخصت‭ ‬المرض‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬تخبرنا،‭ ‬ولكنها‭ ‬نصحتني‭ ‬بالذهاب‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬مستشفى‭ ‬السلمانية؛‭ ‬لأنه‭ ‬قد‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬هبوط‭ ‬في‭ ‬الدم‭ ‬وسيحتاج‭ ‬لدم‭ ‬وهو‭ ‬باهض‭ ‬الثمن‭ ‬في‭ ‬العيادات‭ ‬الخاصة‭. ‬وما‭ ‬زاد‭ ‬قلقي‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬أعطتني‭ ‬رقم‭ ‬هاتفها‭ ‬الخاص‭ ‬للتواصل‭ ‬لأطمئنها‭ ‬عليه،‭ ‬فسألتها‭: ‬‮«‬هل‭ ‬بعلي‭ ‬مكروه؟‮»‬،‭ ‬فأجابت‭ ‬بصوت‭ ‬خافت‭: ‬‮«‬لا‭.. ‬فقط‭ ‬للاطمئنان‭ ‬عليه‮»‬‭.‬

ذهبت‭ ‬للمستشفى‭ ‬مصطحبة‭ ‬معي‭ ‬قلقي‭ ‬وخوفي‭ ‬على‭ ‬ابني‭ ‬الوحيد،‭ ‬وتم‭ ‬إدخاله‭ ‬مباشرة‭ ‬لغرفة‭ ‬الأطفال،‭ ‬وبعد‭ ‬التحاليل،‭ ‬أخبروني‭ ‬أنه‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬انخفاض‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬الدم‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬نسبته‭ ‬6‭ ‬وعليه‭ ‬فإنه‭ ‬يحتاج‭ ‬لنقل‭ ‬دم،‭ ‬وتم‭ ‬هذا‭ ‬ولكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬هبط‭ ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬تزويده‭ ‬بالدم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬والنتيجة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متدني‭ ‬المستوى،‭ ‬وتكرر‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭. ‬كنت‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمري‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬هذا‭ ‬النزول‭ ‬المتكرر‭ ‬لمستوى‭ ‬الدم‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬جوابا‭. ‬مكثت‭ ‬معه‭ ‬لمدة‭ ‬أسبوع‭ ‬كامل،‭ ‬وكل‭ ‬طبيب‭ ‬يأتي‭ ‬للفحص‭ ‬ولكن‭ ‬دون‭ ‬إخباري‭ ‬بأي‭ ‬تفاصيل‭.‬ زارتنا‭ ‬الطبيبة‭ ‬خلود‭ ‬وذكرت‭ ‬احتمالات‭ ‬عدة‭ ‬ومنها‭ ‬السرطان‭ ‬واللوكيميا‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬أنتبه‭ ‬لكلامها،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تمهد‭ ‬وتعطينا‭ ‬الاحتمالات،‭ ‬فكنت‭ ‬أستمع‭ ‬للاحتمالات‭ ‬ومر‭ ‬اسم‭ ‬السرطان‭ ‬مرورا‭ ‬عابرا‭ ‬دون‭ ‬اهتمام‭ ‬مني‭. ‬

بعد‭ ‬إخراجه‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬تم‭ ‬أخذ‭ ‬خزعة‭ ‬من‭ ‬الظهر‭ ‬بعد‭ ‬تخديره،‭ ‬وخرجنا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تفاصيل‭ ‬عن‭ ‬الحالة،‭ ‬ولكن‭ ‬طلبوا‭ ‬منا‭ ‬انتظار‭ ‬اتصال‭ ‬منهم‭. ‬لم‭ ‬يتأخروا‭ ‬كثيرًا‭ ‬حتى‭ ‬وردنا‭ ‬اتصال‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬يطلب‭ ‬حضورنا‭ ‬لجناح‭ ‬202‭. ‬كنت‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬جناح‭ ‬خاص‭ ‬بمرضى‭ ‬السرطان‭ ‬ولكن‭ ‬حينها‭ ‬لم‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬ونسيت‭ ‬أو‭ ‬تناسيت،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬احتمال‭ ‬السرطان‭ ‬واردا‭ ‬عندي،‭ ‬وهو‭ ‬مستبعد،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬الاحتمالات‭. ‬فجناح‭ ‬202‭ ‬أتذكره‭ ‬جيدًا،‭ ‬فكنت‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬أمر‭ ‬بجانبه‭ ‬كون‭ ‬الوالد‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬إدخاله‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬وكنت‭ ‬أعرف‭ ‬أنه‭ ‬لمرضى‭ ‬السرطان‭ ‬فأدعوا‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬بالشفاء،‭ ‬ولكن‭ ‬حين‭ ‬دخلت‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعلم‭ ‬أنني‭ ‬في‭ ‬جناح‭ ‬مرضى‭ ‬السرطان‭. ‬دخلت‭ ‬على‭ ‬د‭. ‬خلود‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬دواعي‭ ‬أسفي‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يخبروني‭ ‬بعدم‭ ‬اصطحاب‭ ‬ابني،‭ ‬فبدأت‭ ‬الطبيبة‭ ‬تتحدث‭ ‬وتتحدث‭ ‬وتسترسل‭ ‬بالحديث‭ ‬والمقدمات‭ ‬لمدة‭ ‬طويلة‭... ‬

سألتها‭: ‬“هل‭ ‬تريدين‭ ‬أن‭ ‬تخبريني‭ ‬أن‭ ‬ولدي‭ ‬علي‭ ‬مصاب‭ ‬بالسرطان؟”،‭ ‬فكان‭ ‬ردها‭ ‬العاصف‭ ‬وقالت‭ ‬بصوت‭ ‬منخفض‭ ‬ومبحوح‭: ‬“نعم”‭. ‬وقعت‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬عليّ‭ ‬كالصاعقة‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬التحمل‭ ‬ودخلت‭ ‬في‭ ‬نوبة‭ ‬بكاء‭ ‬هستيرية‭ ‬أمام‭ ‬علي‭.. ‬كنت‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬سيخطف‭ ‬مني‭ ‬ابني‭ ‬الوحيد،‭ ‬كنت‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬يخطف‭ ‬الأطفال،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬فقد‭ ‬اعتدنا‭ ‬أن‭ ‬السرطان‭ ‬هو‭ ‬مرادف‭ ‬للموت‭ ‬لدرجة‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬ننطق‭ ‬حروف‭ ‬اسمه‭. ‬

استمرت‭ ‬نوبة‭ ‬البكاء،‭ ‬وكان‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬استغراب‭ ‬ودهشة‭ ‬من‭ ‬سبب‭ ‬بكائي‭. ‬أخرجوني‭ ‬الممرضات‭ ‬لكي‭ ‬أعاين‭ ‬المرضى‭ ‬وأهاليهم،‭ ‬فربما‭ ‬يخفف‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الأمر‭ ‬حتى‭ ‬أنهم‭ ‬ذهبوا‭ ‬بي‭ ‬لغرفة‭ ‬الألعاب‭ ‬وظنوا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬سيخفف‭ ‬عليّ‭ ‬هول‭ ‬الصدمة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬شاهدته‭ ‬كان‭ ‬صدمة‭ ‬لي،‭ ‬أطفال‭ ‬بلا‭ ‬شعر‭ ‬وبكمامات‭ ‬والأجهزة‭ ‬الوريدية‭ ‬تطوق‭ ‬جسمهم‭. ‬مشهد‭ ‬يدمي‭ ‬القلب‭ ‬لطفولتهم‭ ‬المسروقة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعلني‭ ‬أنهار‭ ‬أكثر‭ ‬وطلبوا‭ ‬مني‭ ‬التحدث‭ ‬معهم؛‭ ‬لأنه‭ ‬سيخفف‭ ‬علي،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬لا‭ ‬أحسد‭ ‬عليه‭.. ‬كنت‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬صدمة‭ ‬وانهيار‭ ‬ولم‭ ‬أتحدث‭.. ‬كنت‭ ‬أعيش‭ ‬صدمة‭ ‬الخبر‭ ‬والخوف‭ ‬على‭ ‬ولدي‭ ‬ورفضت‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬أحد‭.‬ خرجت‭ ‬من‭ ‬الجناح‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لا‭ ‬يعلمه‭ ‬إلا‭ ‬الله،‭ ‬فمنظر‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬الأجهزة‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬شعر‭ ‬أتعب‭ ‬نفسيتي‭ ‬كثيرًا‭.‬ عدت‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬وأخبرت‭ ‬الأهل‭ ‬وكان‭ ‬الخبر‭ ‬صادما‭ ‬لهم،‭ ‬فبعضهم‭ ‬انهار‭ ‬وحياتنا‭ ‬انقلبت‭ ‬من‭ ‬الهدوء‭ ‬إلى‭ ‬البكاء‭ ‬والخوف‭.‬

ما‭ ‬خيارات‭ ‬العلاج‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مطروحة‭ ‬وكم‭ ‬نسبة‭ ‬الشفاء؟

كانت‭ ‬د‭. ‬خلود‭ ‬تنتظر‭ ‬مني‭ ‬التوقيع‭ ‬لإدخال‭ ‬علي‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬لأخد‭ ‬أول‭ ‬جرعة‭ ‬كيماوي‭ ‬بتركيب‭ ‬الجهاز،‭ ‬سلمت‭ ‬أمري‭ ‬لله‭ ‬ووافقت‭ ‬على‭ ‬العلاج‭ ‬وكانت‭ ‬نسبة‭ ‬الشفاء‭ ‬عالية‭ (‬80‭ %)‬،‭ ‬وأخبروني‭ ‬أن‭ ‬العلاج‭ ‬متوافر‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وسيكون‭ ‬العلاج‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬الطبيبة‭ ‬خلود‭ ‬مباشرة‭.‬

كيف‭ ‬كانت‭ ‬ظروف‭ ‬العلاج؟

بدأنا‭ ‬العلاج‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬السلمانية‭ ‬وحدة‭ ‬202‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬للدكتورة‭ ‬خلود‭. ‬كانت‭ ‬فترة‭ ‬العلاج‭ ‬طويلة‭ ‬وفيها‭ ‬مشقة‭ ‬ومتاعب‭ ‬وخوف‭ ‬وقلق‭ ‬وسهر‭ ‬وكان‭ ‬هاجس‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬سيخطف‭ ‬ولدي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة‭ ‬يلاحقني‭ ‬ولا‭ ‬يبارحني‭. ‬وعندما‭ ‬يكون‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬صحي‭ ‬مستقر‭ ‬أحمد‭ ‬الله‭ ‬وأشكره‭ ‬وحين‭ ‬يستاء‭ ‬وضعه‭ ‬ويشعر‭ ‬بالألم‭ ‬ويكون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تعب‭ ‬أتجه‭ ‬لله‭ ‬بالدعاء‭ ‬وأقرأ‭ ‬القرآن‭ ‬بخشوع‭. ‬كانت‭ ‬فترة‭ ‬صعبة‭ ‬وطويلة‭ ‬ومؤلمة‭ ‬ولكن‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬تخطيناها‭ ‬وأصبحنا‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬وصلابة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭.‬

ما‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬واجهتك‭ ‬في‭ ‬العلاج؟

أسئلة‭ ‬علي‭ ‬كانت‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬كثيرًا،‭ ‬وكنت‭ ‬مضطرة‭ ‬أن‭ ‬أجيب‭ ‬لأعطيه‭ ‬أملا،‭ ‬كنت‭ ‬سندًا‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬تعبه‭ ‬وألمه‭ ‬حتى‭ ‬يقوى‭ ‬ويتغلب‭ ‬على‭ ‬المرض،‭ ‬فدائمًا‭ ‬تتكرر‭ ‬أسئلته‭: ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬اللعب‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬الشارع؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الحدائق؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬اللعب‭ ‬مع‭ ‬الأهل؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬لدي‭ ‬شعر؟‭ ‬لماذا‭ ‬أنا‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬المستشفى؟‭ ‬أنا‭ ‬تعبت‭ ‬من‭ ‬الأدوية،‭ ‬تعبت‭ ‬من‭ ‬الإبر‭. ‬كانت‭ ‬أسئلة‭ ‬مؤلمة‭ ‬جدًا‭ ‬ولكن‭ ‬كنت‭ ‬دائمًا‭ ‬أجيب‭ ‬عليه‭ ‬وأعطيه‭ ‬أملا‭ ‬ولا‭ ‬أتركه‭ ‬دون‭ ‬جواب‭. ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬إجاباتي‭ ‬مقنعة‭ ‬ولكن‭ ‬تهون‭ ‬عليه‭ ‬وتؤنسه‭.‬

كنت‭ ‬أصنع‭ ‬إليه‭ ‬وجبة‭ ‬مشابهة‭ ‬للوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬وأتفق‭ ‬مع‭ ‬موظف‭ ‬المطعم‭ ‬أن‭ ‬يغلفها‭ ‬مع‭ ‬لعبة‭ ‬لتبدوا‭ ‬مثل‭ ‬الوجبات‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬علي‭. ‬كنت‭ ‬أختار‭ ‬يوما‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬العدد‭ ‬قليلا‭ ‬في‭ ‬المجمعات‭ ‬وأذهب‭ ‬معه‭ ‬مع‭ ‬ارتدائه‭ ‬الكمام‭ ‬والتعقيم‭ ‬لكي‭ ‬أبعد‭ ‬عنه‭ ‬كآبة‭ ‬المستشفى‭ ‬كونه‭ ‬هناك‭ ‬مدة‭ ‬طويلة‭.‬

نظرات‭ ‬الشفقة‭ ‬على‭ ‬ابني‭ ‬عند‭ ‬رؤيته‭ ‬كانت‭ ‬مؤلمة‭ ‬وكنت‭ ‬أشاركه‭ ‬لبس‭ ‬الكمام‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بالفرق‭. ‬والأشد‭ ‬إيلامًا‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأمهات‭ ‬يبعدون‭ ‬أطفالهم‭ ‬عن‭ ‬علي‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬انتقال‭ ‬العدوى‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المرض‭ ‬غير‭ ‬معد‭ ‬ويرفضون‭ ‬مشاركته‭ ‬اللعب‭ ‬مع‭ ‬أطفالهم‭ ‬ما‭ ‬يؤثر‭ ‬فينا‭ ‬لحد‭ ‬البكاء‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬أولادنا‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يتضررون‭ ‬لقلة‭ ‬مناعتهم،‭ ‬وهذه‭ ‬مشكلة‭ ‬مشتركة‭ ‬عند‭ ‬أمهات‭ ‬أطفال‭ ‬السرطان‭. ‬نظرات‭ ‬الشفقة‭ ‬كانت‭ ‬قاتلة‭. ‬كنا‭ ‬نبكي‭ ‬لوحدنا‭ ‬ولكن‭ ‬كوني‭ ‬أمًا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أتحمل‭ ‬مواجهات‭ ‬الناس‭ ‬مع‭ ‬المرض‭. ‬فهناك‭ ‬أيام‭ ‬نستقبل‭ ‬تباشير‭ ‬من‭ ‬الطبيبة‭ ‬وتكون‭ ‬مفرحة‭ ‬بشأن‭ ‬النتائج‭ ‬وأيام‭ ‬تكون‭ ‬سيئة‭ ‬مع‭ ‬أخبار‭ ‬سلبية‭ ‬عن‭ ‬النتائج‭.‬

ماذا‭ ‬أضافت‭ ‬إليك‭ ‬مواجهة‭ ‬مرض‭ ‬السرطان؟

مرض‭ ‬علي‭ ‬أعطاني‭ ‬القوة‭ ‬وأعطاني‭ ‬الصبر‭ ‬وأيقنت‭ ‬يقينا‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لا‭ ‬يبتلي‭ ‬عباده‭ ‬إلا‭ ‬لصلاح‭. ‬الله‭ ‬ابتلى‭ ‬عليًا‭ ‬بهذا‭ ‬المرض‭ ‬وابتلاني‭ ‬بالمشقة‭ ‬لأن‭ ‬فيه‭ ‬صلاح‭ ‬إلينا‭. ‬استفدت‭ ‬أنا‭ ‬وعلي‭. ‬فمهما‭ ‬نتضرر‭ ‬ومهما‭ ‬نتعذب‭ ‬فهو‭ ‬صلاح‭ ‬للعبد‭. ‬تجربتي‭ ‬مع‭ ‬علي‭ ‬عرفتني‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬والجمعيات‭ ‬والآن‭ ‬أنا‭ ‬أبث‭ ‬الأمل‭ ‬عندما‭ ‬أسمع‭ ‬عن‭ ‬إصابة‭ ‬أحد‭ ‬بالمرض‭. ‬كنت‭ ‬سندا‭ ‬لعلي‭ ‬وواجهت‭ ‬كل‭ ‬الصعوبات‭ ‬حتى‭ ‬انتهى‭ ‬علي‭ ‬من‭ ‬العلاج‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬الناجين‭. ‬أنا‭ ‬اليوم‭ ‬أفتخر‭ ‬بنفسي‭ ‬بأنني‭ ‬أم‭ ‬لمحارب‭ ‬السرطان‭ ‬علي،‭ ‬فقد‭ ‬استطعنا‭ ‬بتماسكنا‭ ‬تخطي‭ ‬الآلام‭ ‬وكل‭ ‬المشكلات‭.‬

ما‭ ‬رسالتك‭ ‬لأمهات‭ ‬مرضى‭ ‬السرطان؟‭ ‬

أقول‭ ‬رسالتي‭ ‬إلى‭ ‬أمهات‭ ‬أبطال‭ ‬السرطان‭: ‬كوني‭ ‬قوية،‭ ‬وليكن‭ ‬عندك‭ ‬أمل،‭ ‬فالأمل‭ ‬والابتسامة‭ ‬والتفاؤل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬العلاج‭. ‬كوني‭ ‬مرافقة‭ ‬لابنك‭ ‬بأمل‭ ‬وتفاؤل‭ ‬وابتسامة‭ ‬وصبر‭ ‬وكأنك‭ ‬تصعدين‭ ‬درجا‭ ‬كبيرا‭ ‬وستصلين‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬القمة،‭ ‬وقل‭ ‬لن‭ ‬يصيبنا‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬الله‭ ‬لنا،‭ ‬فالحالة‭ ‬تنتكس‭ ‬في‭ ‬اليأس‭ ‬والتشاؤم‭.‬

كلمة‭ ‬شكر‭ ‬توجهينها؟

كل‭ ‬الشكر‭ ‬إلى‭ ‬لله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أولًا،‭ ‬ثم‭ ‬لمن‭ ‬ساندني‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬ولدي‭ ‬وتواصل‭ ‬معي‭ ‬ووقف‭ ‬معي‭ ‬سواء‭ ‬بالحضور‭ ‬أو‭ ‬الاتصال‭ ‬من‭ ‬أهلي‭ ‬وأقاربي‭ ‬وأصدقائي‭. ‬وشكر‭ ‬خاص‭ ‬إلى‭ ‬الممرضات‭ ‬في‭ ‬الجناح‭ ‬ونحن‭ ‬نسميهم‭ ‬ملائكة‭ ‬الرحمة،‭ ‬فتعاونهن‭ ‬معنا‭ ‬كان‭ ‬راقيًا‭ ‬جدًا،‭ ‬فكنا‭ ‬نشعر‭ ‬بأننا‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬وليس‭ ‬المستشفى،‭ ‬فتعاملهم‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ ‬كان‭ ‬لطيفًا،‭ ‬فكن‭ ‬ممرضات‭ ‬صابرات‭ ‬يحاولن‭ ‬رسم‭ ‬الابتسامة‭ ‬على‭ ‬الوجوه‭ ‬المتعبة،‭ ‬ويتفهمن‭ ‬صراخ‭ ‬وشقاوة‭ ‬الأطفال‭ ‬بكل‭ ‬رحابة‭ ‬صدر‭. ‬فعلًا‭ ‬إنهن‭ ‬ملائكة‭ ‬الرحمة‭. ‬وأشكر‭ ‬جمعيات‭ ‬رعاية‭ ‬مرضى‭ ‬السرطان‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬تزور‭ ‬الجناح‭ ‬وتدخل‭ ‬السرور‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬بالهدايا‭. ‬يعجز‭ ‬اللسان‭ ‬عن‭ ‬الشكر‭ ‬لمن‭ ‬ساند‭ ‬أطفالنا‭. ‬بفضل‭ ‬الله‭ ‬ودعمهم‭ ‬وبفضل‭ ‬الله‭ ‬أولا‭ ‬وأخيرًا‭ ‬ينعم‭ ‬ولدي‭ ‬علي‭ ‬بالصحة‭ ‬الآن‭.‬