د.أحمد العريض: التجربة السعودية تؤهلنا وننتظر من المسؤولين «المبادرة»
ما الذي يشغل بال كبار الأطباء الاستشاريين المتخصصين في الكلى بمملكة البحرين؟ لن نجد إجابات مختلفة، فأكثر ما يشغل بالهم هو الإسراع في إنشاء مركز وطني متخصص لنقل وزراعة الكلى والتجارب المؤكدة على مستوى ما تم إجراؤه من عمليات في وحدات وزارة الصحة ومستشفى قوة دفاع البحرين تمهد الطريق، وما يشغل بالهم أيضًا، ارتفاع الإصابات بالداء السكري والأمراض المزمنة كضغط الدم المرتفع.. كأسباب تؤدي إلى الإصابة بالفشل الكلوي.
وقد سعى استشاري الأمراض الباطنية وأمراض الضغط وأمراض وزراعة الكلى وعضو مجلس الشورى الدكتور أحمد سالم العريض لتحقيق حلم إنشاء المركز، ورغم المعوقات التي اعترضت الطريق في السنوات الماضية، إلا أن أمله كبير في دعم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه، وهذا الدعم والاهتمام دليل على ما أنجزته البحرين طوال فترة جائحة كورونا والعمل الجبار الذي وضعها في مصاف الدول المتقدمة وأكثر.. وكل هذا يؤكد القدرة على إنجاز مشروع كمركز زراعة الكلى.
متفائل بتفهم المؤسسة الصحية
ويعبر د.العريض بالقول :"ما يشغل بالي هو إقامة مركز زراعة الكلى، ولهذا قدمت مقترح مشروع بقانون ووافق عليه مجلس الشورى، وأنا متفائل لأن إدارة المؤسسة الصحية، وخصوصًا رئيس المجلس الأعلى للصحة معالي الفريق طبيب الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة، كرائد من رواد العمل الصحي متفهم ووضع المشروع على أعلى درجة الاهتمام، بل ويساندنا في ذلك أطقم وزارة الصحة ومستشفى الملك حمد والمستشفى العسكري ودعم من الحكومة الموقرة، فمشكلة الفشل الكلوي التي تتفهمها الدولة جيدًا وتدرك أبعادها تهيئ لنا المسار للاستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية الرائدة والناجحة، لا سيما وأن من أسس مشروع زراعة الأعضاء هو خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله حينما كان أميرًا للرياض، وهذا ما نفخر به كأطباء خليجيين حيث تمكن مستشفى الملك فهد من زراعة 40 ألف كلى ويمتلك شبكة معلومات ضخمة وربط بالمؤسسات الطبية من عسير وأبها إلى شمال المملكة وشرقها وغربها، وهذا المشروع تأسس في الثمانينات كما قلت على يد خادم الحرمين الشريفين.
بالإمكان ربط البحرين، بل وكل دول الخليج، بمنظومة المملكة العربية السعودية فكلنا بلد واحد، وهذه الفكرة مطروحة منذ منتصف التسعينات وأنا أحد الداعين لها بحيث يتم تخصيص مركز لزراعة الأعضاء على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، وكنا نجتمع في الرياض ونخطط لهذا الربط لإنقاذ مرضانا المصابين بالفشل الكلوي من خلال نقل كلى المتوفين دماغيًا في منطقة الخليج التي يتراوح تعداد سكانها قرابة 55 مليونًا حيث يتم تسجيل حالات الوفاة الدماغية التي – كما قلت – تنقذ المرضى وتنهي معاناتهم مع الفشل الكلوي.
مصادر تمويل المركز
ويلفت إلى أن إنشاء مركز طبي متخصص للقيام بعمليات استئصال، ونقل وزرع الأعضاء البشرية يكون تمويله من الهبات والتبرعات ومساهمات المرضى القادرين غير البحرينيين، بالإضافة إلى الاعتمادات التي تخصصها الدولة، هو اقتراح بقانون يهدف إلى حماية الأشخاص الذين تنقل منهم أو إليهم الأعضاء، ومنع الاتجار في البشر بتشديد العقوبة على مخالفة أحكام القانون، والواقع العملي لم يسفر عن إنشاء أي مستشفيات أو مراكز طبية لنقل وزراعة الأعضاء، وهو الأمر الذي استلزم تقديم هذا الاقتراح باستبدال النص المذكور عن طريق إنشاء مركز طبي لنقل وزراعة الأعضاء البشرية، يكون غالبية تمويله من مصادر غير حكومية.
وللنظر إلى أهمية المقترح، وهو المساهمة في خفض وتوحيد تكاليف العلاج والرعاية الصحية على الدولة والأفراد من خلال تشجيع زراعة ونقل الأعضاء البشرية في مملكة البحرين بدلًا من إجرائها في الخارج، فضلًا عن توفير الغطاء القانوني لإجرائها في أجواء صحية مناسبة، كما سيسهم في نشر الوعي المجتمعي بأهمية عمليات نقل وزراعة الأعضاء، ويشجع الأفراد على التبرع بها للحفاظ على حياة الآخرين، ويعزز التراحم والترابط والتعاطف بين أفراد المجتمع.
قانون 1998 بشأن نقل وزراعة الأعضاء
نعود إلى المشرع البحريني، فمن خلال المادة (6) من المرسوم بقانون رقم (16) لسنة 1998 بشأن نقل وزراعة الأعضاء البشرية، يجوز بناء على توصية لجنة طبية من 3 أطباء اختصاصيين على الأقل نقل عضو من جثة متوفى سواء أكان معلوم الشخصية أم مجهولها لزرعه في جسم حي في حاجة ضرورية لهذا العضو لإنقاذ حياته بعد موافقة وزير الصحة بشرط ألا يكون المتوفى قد اعترض على النقل حال حياته أو يكون أقاربه المنصوص عليهم في المادة السابقة لم يوافقوا على النقل بعد وفاته، وهنا أركز على أن إنشاء المركز تأخر ليس لعدم وجود قانون يبيح ذلك أو لندرة الكوادر الطبية البحرينية التي تمكنت على مدى سنوات من إجراء أكثر من 200 عملية نقل كلى في مستشفى السلمانية، وإنما بسبب عدم وضع استراتيجيات صحية علاجية متقدمة تطبق على أرض الواقع تؤدي إلى إنقاذ هؤلاء المرضى من التوجه لخارج البحرين لإجراء مثل هذه العمليات وبأثمان باهظة وفي مراكز تجارية في دول آسيوية وغيرها، والحل يكمن في بناء مركز أو مركزين لزراعة هذه الأعضاء لتوفير الميزانية للوزارة بدلًا من إبقاء المرضى على قيد الحياة بطريقة الديلزة المكلفة.
وفق تقدير الإحصائيات الدولية
"ما تحتاج إليه مملكة البحرين هو مركز لزراعة الكلى، وليس زيادة مراكز الديلزة المؤقتة، وإذا اتخذنا الإحصائيات الدولية بأن المرضى المصابين بهبوط مزمن في الكلى يتراوحون بين 70 و 150 مريضًا لكل مليون".. يرى العريض.. إذًا فهناك معدل 50 إلى 800 مريض سنويًّا بحاجةٍ إلى العلاج، وأفضل العلاج هو زراعة كلى للمريض، وأختتم بإعادة التأكيد على أن وجود مركز لزراعة الكلى في البحرين هو ما نادينا بإنشائه منذ أكثر من عقدين لوجود مركز متخصص منفصل ماليًا وإداريًا، كما هو معمولٌ به في مركز محمد بن خليفة آل خليفة لأمراض القلب، يستطيع أن يقدم خدماته لزراعة الكلى للمرضى الذين هم في حاجة إلى هذا العلاج لما يقرب من نقل 40 كلى سنويًا من متبرعين أقارب أحياء ومن متوفين دماغيًا.