+A
A-

عاقِبَةُ البُخْلِ

بقلم:  مها نبيل الشنو

 

يحكى أنه كان يعيش في إحدى القرى رجل بخيل، سيئ الطباع، وكان الكل يبغضه ويشتكي من ظلمه وبخله إلا صديق له منذ أيام الطفولة، فقد تعوَّدَ عليه وعلى طباعه السيئة، وصفات البخل المذمومة عنده.

ولم يحدث أن ساعد البخيل أحدًا من أهل قريته يوما، أو شارك أحدهم فرحه أو حزنه، فكان بخله يشمل كل شيء، ولذلك كان يتجنبه أهل القرية جميعهم لتجمع معظم الصفات المذمومة فيه وأشدها البخل.

وفي أحد الأيام كان البخيل عائدًا من السفر على دابته ومرَّ ببيت صديقه، فتوقف ليرتاح عنده بعض الوقت من مشقة السفر، وعناء الطريق، فاستقبله صديقه استقبالًا حسنا، وقدَّم له واجب الضيافة من مأكل ومشرب، وأكرمه خير إكرام، وبينما هما كذلك، وبعد قليل من الوقت إذا بالبخيل يقفز من مكانه فزعًا، ويصرخ بأعلى صوته، وحينما سأله صديقه عن السبب، ذكر له أنه نسي كيسًا محمَّلًا بثلاثين عملةً ذهبية نساها تحت شجرة استراح بجانبها أثناء عودته من السفر على دابته!

كاد البخيل أن يُجَنَّ من المصيبة التي نزلت عليه.

أسرع هو وصديقه يبحثان عن الكيس، ويسألان أهل القرية، فلم يجداه، وهنا أخذ البخيل يكلم نفسه، وأوشك على الانهيار، كما شمتَ فيه أهل القرية لبخله الشديد وظلمه للناس.

وهنا تيقن البخيل أن الذي وجد الكيس أحد أفراد القرية، فلم يمر وقت طويل على فقده، كما أن القرية بعيدة عن القرى المجاورة لها، ففكر في حيلة يستطيع من خلالها أن يسترد نقوده، فنادى في أهل القرية أن من يجد الكيس فله مكافأة كبيرة.

أخذ يكرر ذلك مرات عدة بين أهل قريته، ويخبرهم بأنه يحبهم وهم أهله وجيرانه وأصدقاؤه، وليس له أحد في الدنيا غيرهم، لدرجة أن أهل القرية قد انخدعوا وكادوا أن يصدقوه، وأخذوا يبحثون معه عن الكيس في كل مكان في القرية.

ولكن المفاجأة أنَّ التي وجدت كيس الذهب هي ابنة صديق البخيل، وأخبرت والدها بهذا الخبر السَّار، فأسرع الأب إلى صديقه البخيل ليسعده بهذا الخبر، وأنَّ ابنته وجدت الكيس الذي يشتمل على ثلاثين قطعة من الذهب، واعتقد بأنه سيعطي مكافأة لابنته التي وجدت الكيس، خاصة أنه كان حزينًا جدًا على ضياعه، وربما يكون قد فقد الأمل في الحصول عليه مرةً أخرى، ولكنها الأمانة التي تربتْ عليها ابنة الصديق حينما وجدت الكيس وأسرعت إلى والدها تخبره، كي يرده إلى صاحبه.

فتح البخيل الكيس، وقام بعدِّ القطع الذهبية فوجدها ثلاثين قطعة، فقال لصديقه: إن الكيس كان يحوي أربعين قطعة! واتهمه هو وابنته بالسرقة، وهدده برفع دعوى لقاضي البلدة لاسترجاع قطعه الذهبية!

وعندما ذهبوا إلى القاضي، استمع القاضي لكل من البخيل والرجل وابنته، ثم نظر إلى البنت وأبيها، وبخبرته فهم ما حصل، فنظر إلى البخيل وقال له: أمتأكد أنت أن الكيس كان يحوي أربعين قطعة ذهبية وليس ثلاثين؟

أجابه بأنه متأكد من ذلك، وبدأ يُقسِم على ذلك رافعًا اليمين.

فقال له القاضي: إذن الكيس الذي وجدته البنت الطيبة ليس ملكك لأن به فقط ثلاثين قطعة، وسيظل معها وأبيها حتى يظهر مالكه، وإذا وجد أحد كيسًا به أربعون قطعة سوف نخبرك بذلك.

فبدأ البخيل بالصراخ، وقال للقاضي إنه كذب كي يتهرب من إعطاء مكافأة للبنت وأبيها، وإن الكيس كان به ثلاثون قطعة ذهبية!

لكن القاضي لم يهتم لأمره، وأمر الحراس بإخراجه.

الحكمة: كُنْ أمينًا، ولا تكْذِبْ، وعامِلْ الناسَ كما تُحِبُّ أنْ يُعاملوكَ.