+A
A-

سُلطان والوَقت الضَّائع

 

بقلم:  أحمد بسام المرباطي

 

أتَى الليلُ بظلامِه، ليجلس سُلطان بحجرتِه الخَاصة، والضّوء الخَافت مع فنجانِ الشَاي؛ ليُمارس هوَايته المفَضلة كلَّ ليْلة في السهرِ لتَصفح مَواقع التواصُل الاجتماعي، يجدُ سُلطان نفْسه مَع أذانِ فجرِ اليومِ التَّالي كُل ليلة.

يجلسُ سُلطان مُنشغلًا بأحدِ موَاقعِ التواصلِ الاجتماعيّ، حيثُ لا تَخلو سَاعة مِنْ ليَاليه إلَّا ويقضِيها منشغلًا بأَحدِ موَاقع التَّواصلِ الاجتمَاعي؛ ما يتَرتب عَليه إضاعَة الكثِير منْ الأوقاتِ المهمةِ في حياتِه، تاركًا ما يجب عليهِ فِعله من أمورٍ تجعَله أكثرَ تفوقًا وتقدمًا في دراستِه، وفي حياتهِ اليومية؛ كقراءة كتابٍ، أو تعلم شيءٍ جديدٍ أو تطوير من قدراتِه أو تنمية هوَاية وموهبة لجعله متميزًا من المتميزينَ من أبناءِ مجتمعه.

حَامد أَخوِه الأَكبر الذِي يقْضِي ليَاليه في حجرتِه المجاورةِ لحجرةِ سُلطان، يتخِذ كُرسيه المُعتاد، ويمارسُ هوايتهِ الْمُفضلة مِن قراءةِ كُتب الطبِ والتَّشريحِ التي يُحبها، كُلّ ليلةٍ، والتِي كانتْ سببًا لالتحَاقِه بالطبِ بعدَ ذلكَ، ليُصبح بعدَ تخرجه طبيبًا مشهورًا، كَان للقراءةِ دورٌ مهمٌ فِي بلوغهِ مكانَة مرْمُوقة بَين أسرَتِه ومجتمَعه، وخدمَة وطَنه الذِي يُحبه؛ ما جعلهُ محط أنظار أهلهِ وأصدقائِه؛ لتميزهِ وتفوقهِ عن باقي أقرانه.

يحتَاجُ سُلطَان إلى شحنِ الهاتفِ النقالِ باستمْرار مِنْ كثرةِ استخدامِه للتَّصفحِ والتواصلِ عَبرَ موَاقع التَّواصل الاجتمَاعي، واعْتاد علَى مُدَاومةِ شَحن الْهَاتف النَّقال أثنَاء نومه، وتركه علَى الشَّاحن حتَى الصَّباح البَاكِر.

الحَاج مُحمد والِد سُلطان نَصحَه كثيرًا بخطورةِ تَرك الهَاتف على الشاحنِ فترَات طَويلة؛ لَكنه رفَض أَن يستمعَ للنصائحِ هائمًا في مواقعِ التوَاصل الاجتماعِي كعادتِه.

وفِي إحدى الليالِي كانَ سلطَان مُستغرقا في اللعبِ وتصفح الموَاقع الكثيرة على هاتفِه. شعرَ بالنعاسِ، وأخذ الشاحنَ ووصله بالهاتفِ، لكنَّ النوم غلبه ولم يشعر بنفسه، وغاصَ في نومٍ عميق، حتى استيقظ على صراخ حامد، وهنا أطلقت المفَاجأة سِهامهَا، حامِد: سُلطان... سُلطان... اسْتيقظ اُخرجْ منْ الغرفةِ حرِيق... حرِيق... فتحَ سلطَان عينيهِ، رأَى دُخانا يَملأ الغُرفة، ماذَا حَدث؟ لقدْ انفجَر هاتفهُ النَّقال، وهُو علَى الشَّاحن الكهربائِي، احترقت الطاولة، ثمَّ امتدتْ النيرانُ إلى أثاثِ الغرفةِ، اختنقَ سلطَان، تمَّ اِسعافه إلَى المستشفَى، ضَاع كل شيء. وبعد أنْ فاقَ سُلطان مِن غيبُوْبته، قالَ متسائلًا: أبِي موجُود.. أَين حَامد؟

اتصَل الْحاج مُحمد والِد سُلطان برجالِ المطافِي، وحضرُوا وأخمدُوا الحريق، وبعدَ أنْ استَقرت الأمُور أخَذ رجالُ الإطفاءِ في التحقيقِ، وعَرفوا أنّ تركَ الهَاتف على الشاحنِ تَسبب فِي انفجارِ الهاتفِ.

أخيرًا سُلطان يخرجُ من المستشفَى سليمًا، بعدَ أن تمَّ علاجه من أثرِ الاختناق، وهزَّ رَأسه، قائلًا لأبيهِ: وهُو يبتسمُ بعدَ أنْ فاقَ من غيبوبةِ الخطرِ معانقًا أبَاه ورفيق دربه؛ سَأقرأ مِن الليلةِ يَا أبِي شكرًا لنصيحتِك. وذهبَ للقراءةِ، وتعلم سلطان درسًا لن ينسَاه في حياتهِ، وأَخذ يروِي ما تعلمه لزملائهِ في المدرسةِ، وحذرهم مِن تركِ الهاتفِ على الشاحنِ، والنومِ عنه، ونصحهم بالنوم مبكرًا والاستيقاظ مبكرًا؛ فالبركة في البكُور.