العدد 5644
الخميس 28 مارس 2024
banner
البشع والأبشع
الخميس 28 مارس 2024

رغم جميع القصص الذاهبة إلى أقاصي احتمال النفس البشرية، والتي تختبر إلى أي حد بلغ تبلد شعور الضمير العالمي الذي تمثله الحكومات والأنظمة، إزاء ما يحدث في غزة، سواء من ناحية آلة الدمار الصهيونية التي لم يشفِ غليلها ما فعلته إلى الآن بالفلسطينيين، والتي تتفنن في التقيؤ يومياً على القوانين الدولية والأعراف والقرارات وكل ما يلزم الدول الأخرى ويسميها دولاً مارقة ما لم تنصع لهذه القرارات.. إلا أن قصص “الاغتصاب” تعتبر الأبشع في الأعراف الإنسانية، ناهيك عمّا يمثله “العرض” في ثقافتنا الشرقية، ومركزيته الدينية التي تعتبر أن “من قُتل دون أهله فهو شهيد”، أي كل الأهل بمن فيهم الزوجة والابنة والأخت ومن في حكمهن.
في الأيام الأخيرة كثرت القصص التي تأتي من القطاع العزيز، غزة، تشير – بتفاصيل كثيرة محيّرة ومقززة ومرعبة في ثناياها – إلى حوادث اغتصاب لسيدات غزّيات كريمات من قبل جنود الصهاينة، حتى ليصاب قارئ هذه الأخبار بشعور يختلط فيه الغضب، والغيرة، والسخط، والحزن، وعشرات من هذه الأحاسيس التي ترافق قراءة مثل هذه الأخبار. في بحثي عن أصل هذه الأخبار، ومن التي أوردتها من منصات الأخبار العالمية، حتى ولو فقدنا الثقة فيها، فلم أجد إلا خبرا أصدرته الأمم المتحدة مستندا إلى بيان أصدرته خبيرات أمميات مستقلات، بعنوان: “خبيرات أمميات يطالبن بتحقيق مستقل حول ادّعاءات حدوث انتهاكات صارخة ضد فلسطينيات”، صدر في 19 فبراير الماضي، تحدث عن تقارير وادّعاءات جرت لسيدتين فلسطينيتين! ليس معنى هذا أن الكيان الصهيوني وجيشه لم يقوموا بما هو أسوأ طيلة سنوات “اغتصابهم” أرض فلسطين، إذ “أبدعوا” في إخراج أقذر وأحطّ ما في الجانب الشيطاني من نفوسهم الغليظة المريضة في القتل والتهجير وغيره. لكن هذه “الادّعاءات” بهذه الحوادث – التي يدعو المرء ربّه وليس سواه ألا تكون حقيقة اليوم، وألا تقع في أي يوم – تعيد الأذهان إلى ما جرى في مجازر أجداد المجرمين أنفسهم في دير ياسين وغيرها، فجرى سرد بعض من روايات مبالغ فيها.. وبدلاً من أن تستنهض الهمم وتثير الحماس والغضب؛ أثارت الرعب والهلع، وأوهنت العزائم، وخرج الرجال بأهليهم حتى لا يصيبهم ما قيل إنه أصاب غيرهم.
*كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .