+A
A-

عين عذاري .. مصدر الحياة وملتقى الذكريات والأساطير

البلاد - طارق البحار
حالة من الغبطة والفرح شعر بها عدد كبير من البحرينيين مع خبر افتتاح عين عذاري أمام هواة السباحة من المواطنين والمقيمين في الأول من أغسطس 2016 وذلك بعد أن تم إغلاقها لأعمال الصيانة.

حالة من الذكريات الجميلة ترتبط بين العين والبحريني، خصوصا جيل الماضي الجميل أو “الطيبين” كما يقال عنهم، حيث كان يقضي معظم البحرينيين من أغلب مناطق المملكة أيام الصيف في هذه العين التي تعتبر من أكبر العيون الطبيعية في البحرين من حيث الاتساع والعمق وهي من أقدم العيون الطبيعية، ويقال إن عين عذاري ليست مجرد نبع مائي تراثي فحسب، وتقع العين بالقرب من قلب العاصمة القديم لمملكة البحرين، والتي لا تبعد عن العاصمة الحديثة المنامة سوى كيلومترات عديدة، وإنما أكثر من ذلك بكثير، حيث ارتبط بها الكثير من القصص والحكاوي والأساطير التي تتفق جميعها على أن للعين مدلولاتها البيئية والحضارية والاجتماعية التي ارتبط بها البحرينيون كافة على مدار تاريخهم، وذلك في إشارة لحقيقتين:
إحداهما تتعلق بدور هذا النبع في تزويد أهل البحرين جميعا بمصدر حياتهم، وهو الماء، خاصة أن العين قديما كانت تزود مناطق بعيدة في البحرين باحتياجاتها من الماء العذب الذي كان يروي البساتين والزراعات المحدودة في بلد عرف بالمناخ الجاف من جهة وكثرة ينابيع المياه العذبة من جهة ثانية. الحقيقة الأخرى تتعلق بطبيعة البقعة البيئية المليئة بالبساتين والكائنات الحية التي كانت تحيط بمياه النبع، ومازالت بعض بقاياها قائمة إلى الآن، ويحاول أهل المنطقة، فضلا عن الجهات المسؤولة الحفاظ عليها وتنميتها بيئيا وحضاريا، حيث تنمية وحماية الغطاء النباتي الكثيف والمميز من النخيل والأشجار بأنواعها، والتي تغطي مساحات واسعة من الأرض حول النبع، وتشكل مأوى للكثير من أنواع الحيوانات والطيور المهاجرة والمقيمة.
وارتبط وجود عين عذاري بأسطورة مشهورة عند العامة، وتروى هذه الأسطورة بروايات مختلفة بعض الشيء لكنها متشابهة في العناصر الأساسية للأسطورة، حيث تروي الأسطورة قصة فارس أراد أن يخطب فتاة لكنها رفضته؛ بسبب ارتباطها بشخص آخر وكان دليل صدقها أن تضرب الأرض برجلها فإن تفجر الماء صدقت، وهكذا كانت نتيجة صدقها أن تفجرت مياه هذه العين التي عرفت منذ ذلك الوقت باسم عذاري أي العذراء كتلك الفتاة.
ليست هذه هي الأسطورة الوحيدة التي ارتبطت بعين عذاري فيروي لنا بلجريف في مذكراته أسطورة أخرى حيث يقول: “وعذاري لم تكن مكاناً آمناً للسباحة إلا لمن له القدرة على ذلك، فهناك خرافة تقول إن هذه العين لها حق على الناس، وهذا الحق هو أن يكون لها ضحية واحدة كل عام، وفي الحقيقة فإن طوال سنوات إقامتي بالبحرين (31 سنة) كنت أسمع عن غرق شخص واحد في كل صيف تقريباً منذ العام 1926 وحتى 1957”.
ولذلك، ليس من المستغرب أن تجد في كتب الرحالة والأدب التاريخي ذكرا لعين عذاري وأثرا شاهدا عليها، ليس فقط باعتبارها من أكثر العيون المائية شهرة في البحرين ومنطقة الخليج، والتي كان يلجأ لها الناس لتأمين احتياجاتهم الحياتية من كل حدب وصوب، وإنما لأنها كانت تتمتع بسمات معينة ميزتها عن غيرها، من قبيل أنها كانت من أكبر وأعمق عيون المياه العذبة في البحرين، وتميز طعم مياهها بالحلاوة التي قل نظيرها في العيون الأخرى حتى يتردد أن بعض مياهها كانت تضاف للمياه المحلاة حتى تسوغ للشاربين شربها.
بل وكانت العين تُستخدم أيضا للسباحة، وليس للشرب فقط وري زراعات النخيل والنباتات، مثلما عبر عن ذلك في عشرينيات القرن الماضي مستشار الأمير بلجريف، والغريب أن أهل المنطقة كانوا يتركون أنواعا من الأسماك تبحر في مياه العين دون أن يصطادوها، ليس فقط لتفضيلهم أسماك المياه المالحة، وإنما لجمال هذه الأسماك وتنوعها في مصدر من مصادر المياه العذبة، وحرص الكثيرون منذ ذاك الوقت ـ رغم التوقفات البسيطة ـ على استخدام العين كملتقى للقاءاتهم وأسمارهم واستضافة زوارهم وضيوفهم لمشاهدتها والتمتع بمناظرها الخلابة.
هذا المنظر رسم في مخيلة العامة على مدى سنين ثم وثق في مثل لازال الناس تردده ليومنا هذا، يقول المثل “عذاري تروي البعيد وتخلي القريب”، وللشاعر علي عبدالله خليفة حول هذا المثل موال زهيري جميل حيث يقول:
عذاري لي متى تسقين ذاك النخل لبعيد
عطاشه ننتخي يمچ ونرفع صوتنا ونعيد
نشوف الكيظ عيد بالنخل وإحنا بليا عيد
عذاري لي متى بها الساب تجري الماي من دوني
نشف ريچ العشب يا عيب تركچ زرعچ الدوني
عجب عكس الوفا تعطين! يا أهل الخير ودوني
شمالي العين كنت يمها وراحت تسقي إللي أبعيد