+A
A-

النيابة تُطالب بأقصى عقوبة بحق المتخابرين مع قطر

استمعت يوم أمس المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة لمرافعة النيابة العامة بقضية تخابر علي سلمان وحسن سلطان وعلي الأسود مع قطر، والتي استغرقت نحو 40 دقيقة، أثبت فيها المحامي العام المستشار أسامة العوفي صحة الاتهامات الموجهة إلى المتهمين، وارتكابهم جريمة الرشوة الدولية؛ من أجل دعمهم وإنشاء قناة اللؤلؤة، وبنقلهم معلومات حساسة وسرية خاصة بالجيش والحرس الوطني وجهاز الأمن الوطني، فضلاً عن وزارة الداخلية إلى قطر وقناة الجزيرة.

كما أوضح العوفي أن علي سلمان طالب حمد بن جاسم بمنع دخول درع الجزيرة إلى مملكة البحرين، والذي بدوره قدّم له وعدًا بأنه سيبذل قصارى جهده لتحقيق ذلك.

والتمس في نهاية مرافعته من المحكمة إنزال أقصى عقوبة بحق المتهمين، والذين تجاوزوا داعي الازدراء إلى حد وصفهم بـ (الخائنين) لما ارتكبوه من جرائم بحق المملكة؛ وذلك لأنهم جاوزوا بما ارتكبوا مدىً شائنًا من الإجرام انحدروا به انحدارًا هابطًا، حينما أدركوا بجرائمهم النيل من أبلغ القيم وأجل المبادئ وأقدس الملاحم وهو الوطن، مطالبًا بحفظ كرامة البلاد واعتباره.

وقررت المحكمة بعد رفع الجلسة ومداولة القضية تأجيلها حتى جلسة 22 مارس الجاري؛ وذلك لتمكين هيئة الدفاع من تقديم أدلة نفي هذه التهم.

 

خيانة لا سياسة

وقال المحامي العام إنه مهما تشدق علي سلمان بدفاع يستدعي فيه نظرياته في العمل السياسي أو خرج بادعاءات متوهمة، فلن يعفيه ذلك من سآمة ترديه في الجريمة.

متسائلا هل من العمل السياسي بيع أسرار الدفاع أم من العمل السياسي الكيد على إسقاط النظام؟ وهل من مفاوضات العمل السياسي الضغط على القوات المعهود لها بفرض النظام والأمن ومواجهة أعمال الحرق التخريب والاغتيال؟

فلم يكن للسياسة محلٌ بأفعالهم، بل محلها الخيانة، وكذلك دأب الخائنين إذا دعاهم وطنهم وقادته ورموزه لإكرام أو حوار أو تقدير نبذوه استكبارًا، وإذا دعتهم قوى الشر لبّوا واستجابوا وأخذوا من الأمر ظاهره، فأوهموهم أنهم صاروا من الحكام واستقبلوهم استقبالهم وأجلسوهم مجلسهم وزينوا لهم خيانتهم، وهم في داخلهم يحتقرونهم ويسخرون منهم ولا يعتبرونهم إلا خدمًا وأدوات لتنفيذ خططهم الهدامة، حتى إذا ما انتهى دورهم نبذوهم وتركوهم موطئًا للأقدام، وكذلك يكون مصير الخائنين أن يتيهوا بلا طريق ويلقون بين فضلات التاريخ.

 

قطر آزرت المتهمين

وأكد العوفي في المرافعة الختامية على أن ما وقع من المتهمين، فقد رصدته التحريات ووثقته التحقيقات، ففي خضم أحداث العام 2011 وما شهدته المملكة آنذاك من اضطرابات وفوضى حرّض عليها، وشارك فيها سلمان ورفاقه، ومنهم المتهمان الآخران، ولجأوا إلى سعيهم الذي سعوا له منذ أمدٍ لتحقيق مأرب تاريخي تجاه نظام الحكم القائم والمملكة على وجه العموم، واستغلال مجريات الأحداث في تحقيقه.

وأشار إلى أن المكالمة الهاتفية أوضحت بجلاء التنسيق فيما بين طرفيها على استغلال الأحداث الجارية بالمملكة، واتفاقهما على إجهاض أية مساعٍ من شأنها السيطرة على مظاهر الاضطرابات والقلاقل والفوضى التي سادت البلاد، وكانت أهم تلك المساعي المطروحة وقتئذٍ هي استعانة المملكة بقوات درع الجزيرة، حيث (تفاهم) سلمان مع ذلك حمد بن جاسم المسؤول القطري البارز، و(اتفقا) على أن تستخدم دولة قطر أداتها وقرارها السياسي في الحيلولة دون دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين، والتلويح لمتخذي القرار بأن من شأن الاستعانة بتلك القوات تصعيد الأمور واستفحال المشكلة إلى حد المواجهة المباشرة؛ وذلك من أجل إثنائها عن السماح بدخولها المملكة لاحتواء الأزمة.

وكشفت المكالمة عن تنسيق سابق بين المتهمين الثلاثة مع الجانب القطري الذي يتكلم في المحادثة عن مواقفه السابقة المؤازرة لنشاط المتهمين، وأنه لم يخذلهم من قبل، وأن دولته بذلت كل طاقتها في منع تحرك قوات درع الجزيرة، ورفضت المشاركة فيها إلا رمزًا، وختم محادثته في طلب المعلومات التي تستخدم في دعم نشاطهم داخليًا وخارجيًا.

 

“الجزيرة” بوق الفتنة

وقد ثبت مع مرور الوقت تنفيذ ما (اتفق) عليه سلمان وبن جاسم، حينما تداولت وسائل الإعلام محادثات جرت خلال أحداث 2011، أي في وقت متزامن مع المكالمة الأولى، جرت فيما بين حسن سلطان وحمد العطية المستشار الخاص لأمير دولة قطر السابق، وفيها جرى (التنسيق) و(التفاهم) و(الاتفاق) بينهما على استغلال قناة الجزيرة في نقل مشهد الأحداث إعلاميًا على النحو الذي يحقق أغراضهم تجاه المملكة ونظامها.

وتحقيقًا لذلك أشرف علي سلمان على تنفيذ الاتفاق وما تلقاه من تكليفات من قطر، ووجه معاونيه ومعهم المتهمون سلطان والأسود إلى إجراء مداخلات إعلامية على قناة الجزيرة وأخرى مدعومة من دولة قطر تحرض ضد النظام الدستوري في المملكة، وتحثّ على استمرار أحداث الاضطرابات، وتدعو إلى تصعيدها إلى أن تتحقق طموحاتهم إزاءه وأغراض دولة قطر تجاهه وتجاه المملكة، كما وافى بنفسه ومن خلال المتهمين الآخرين مسؤولي دولة قطر بما بلغه من معلومات سرية ذات طبيعة عسكرية وأمنية تتعلق بقوة دفاع البحرين والحرس الوطني والشرطة.

وهكذا لم تكن “الجزيرة” وذيولها بوق دعاية وتحريض لأعمال الفتنة والتخريب والاغتيال وتمجيد مرتكبيها فحسب، بل كانت أيضًا الموجه الأساس لهم في إذاعة المعلومات عن الدعوة للحشد واختيار أماكن التجمهر والشغب والحرق والتفجير، ومواعيد التحرك للتنفيذ وأماكن تمركز قوات الأمن المستهدفة، وإطلاق الشائعات المغرضة، ولم يكن لها أن تنهض بذلك إلا من خلال ما يقدمه لها أمثال هؤلاء (الخائنين).

 

أركان التخابر

وأشار إلى أن الوقائع على نحو ما عُرض تشكل في صحيح القانون جرائم التخابر، والتوصل إلى أسرار الدفاع وتسليمها إلى دولة أجنبية، والرشوة الدولية المتمثلة في قبول عطايا من دولة أجنبية لارتكاب أعمال ضارة بمصالح البلاد، وإذاعة أخبار وبيانات وشائعات كاذبة ومغرضة في الخارج حول الأوضاع الداخلية في البلاد من شأنها إضعاف الثقة المالية بالمملكة والنيل من هيبتها واعتبارها والإضرار بمصالحها القومية، وهي الجرائم المؤثمة قانونًا.

وأفاد المستشار العوفي بأن مفهوم جريمة التخابر يُستنبط من مسماها العام في القانون، وهو تفاهم الجناة، وتبادل الأخبار ونقلها، ما دام من شأن ذلك أو توجه القصد فيه للإضرار بمصالح البلاد أو ارتكاب عمليات عدائية بها.

 

القانون أوجب معاقبة الخائن

وردّ العوفي على ادعاء المتهم علي سلمان بأن الاتصال الذي جرى بينه وبين حمد بن جاسم حصل في وقت لم تكن فيه قطر في حال عداء للبحرين، بأن القانون يعاقب على جرائم التخابر وتسليم وإفشاء أسرار الدفاع المسندة إلى المتهمين ارتكابها حتى ولو لم تكن الدولة المتخابَر معها في حال حرب أو حتى عداء مع البحرين، فمقطع المساءلة هنا أن تكون دولة أجنبية وحسب.

ولفت إلى أن الأصل في جريمة التخابر أنها لا تتطلب اتجاه القصد في كل صورها إلى الإضرار بمصالح البلاد، بل يكفي أن يكون من شأن الأفعال المادية التي يأتيها الجاني تحقق بها تلك النتيجة.

وأفاد المحامي العام أنه عن جريمة تسليم وإفشاء أسرار الدفاع، فإن قانون العقوبات لم يفرق في استحقاق العقاب بين من حصل على السر ومن توسّط في توصيله إلى الدولة الأجنبية، فلقد جاء النص عامًا حين أقام الركن المادي للجريمة في تسليم سر من أسرار الدفاع (على أي وجه)، و(بأية وسيلة) لدولة أجنبية أو إلى أحد ممن يعملون لمصلحتها.

كما ليس من المهم أن يكون السر قد عُلم بأكمله، فإن عبارة (على أي وجه) الواردة بالنص يُراد بها أن تطبق العقوبة ولو لم يفش السر إلا بعضه أو كان بعضه في حد ذاته معلومًا.

أما عن جريمة الرشوة الدولية، فهي تقوم بفعل طلب العطية أو قبولها، وتقع الجريمة بمجرد الطلب أو القبول، ويتحقق القبول بإبدائه عند عرض العطية وقبل تقاضيها، وقد يصاحبه أخذ العطية أو المقابل مباشرة فيما يسمى بالرشوة المعجلة.

ويعنينا في جريمة إذاعة الأخبار والبيانات والشائعات الكاذبة والمغرضة أن اشتراط المشرع وقوع الفعل المادي في الخارج يلتقي بحصول الإذاعة بكل ما يرتبط بالخارج على وجه العموم، فتقوم الجريمة باستخدام وسيلة في الخارج في الإذاعة، أو وسيلة تفترض طبيعتها ومداها نقل الأخبار حتمًا إلى الخارج.

 

امتناع “سلمان” دليل إدانة

وأثبت العوفي ما ذكره بالأدلة القاطعة الواردة بأوراق القضية على ارتكاب المتهمين للجرائم موضوع الاتهامات المسندة إليهم وتوافرها بحقهم، وأنها استغرقت العناصر القانونية للجرائم التي ارتكبوها كافة استغراقًا كليًا ينهض بالاتهام، ويقيمه على أسس غير مجحودة أو مشوبة بغموض، فهي مستقاةٌ من شهادة الشهود، إضافة إلى الماديات التي جاءت بالتحقيقات.

بل وتجد لها حظًا موفورًا من أقوال المتهم الأول بالتحقيق والموصوفة لديه بـ (الامتناع عن الإجابة)، وكذلك من القرائن التي تتساند وبقية الأدلة، فتصادق حجيتها، وترقى ببرهانها.

 

الأسود وسيطه لقطر

ولفت المحامي العام إلى أن سلمان جعل علي الأسود وسيطًا في توجيه الرسائل قطر، إذ سلّمه رسالة أوصلها لبن جاسم، كانت تحتوي إحصاءات جرحى المعارضة وأماكن وجود القوات ومواقع تمركز قوات درع الجزيرة، وأن للأسود مساهمة كبيرة في هذا النشاط لعلاقته الوثيقة بمسؤولي قطر، وأبرزها إنشاء قناة اللؤلؤة في لندن، والتي أشرف عليها سلمان وأدارها، والتي دأبت حتى الآن إلى جانب قناة الجزيرة في نشر الأكاذيب والشائعات التي تروجها جمعية الوفاق المنحلة تجاه المملكة؛ لغرض إبقاء الضوء مسلطًا على البحرين وإبقائها تحت ضغط مستمر خصوصا في المحافل الحقوقية الدولية بإيعاز من المسؤولين القطريين حمد بن جاسم، وحمد بن خليفة العطية، وحمد بن ثامر.

كما قال العوفي إن انتفاض علي سلمان بعد معرفته بدخول درع الجزيرة للمملكة وقوله عبارة إنه (سيطلب الحماية من إيران)، إذ إن ذلك يدل على غياب الانتماء الوطني وافتقاد الهوية، وتعطي المصداقية لما تضمنته شهادة الشهود الأربعة من بيان المنهج الذي يلتزمه المتهم علي سلمان تجاه المملكة في حرصه على استمرار الفوضى، واللجوء إلى الخارج والاستقواء بالقوى الأجنبية ضدها أيًّا كانت قطر أم إيران، وهو ما يُوجد القناعة باستساغته التخابر مع مثل تلك الدول والقوى.

 

أقصى عقوبة

وانتهى إلى القول بأن وبعد بيان حقيقة هؤلاء المتهمين، وأفعالهم المؤثمة بمقتضى القانون، ومآربهم الإجرامية، وقامت على ارتكابهم جرائمهم أدلة قاطعة، وبراهين ناصعة، وقرائن ذات أثر تدليلي واضح وجلي، تتساند جميعها، فتأخذ حجيتها بنواصيهم، فإن النيابة العامة تطلب إلى المحكمة الموقرة القضاء بإدانة المتهمين، وأن تُنزل بهم أقصى العقوبة.