العدد 4138
الأربعاء 12 فبراير 2020
banner
وَخْـزَةُ حُب د. زهرة حرم
د. زهرة حرم
عقلية المسطرة... مُتعِبة!
الأربعاء 12 فبراير 2020

لم يُخلق الإنسان كاملا، لذلك يؤكد القرآن الكريم - في أكثر من موضع - أن لدينا نحن البشر نوازع الخير والشر معا، وأن الخيَار يقع علينا في تبني أحد الطريقين أو تغليب أحدهما على الآخر! غير أن بعضنا يصرون بشكل لا حِيدة عنه، ولا زيغ، أو انحراف بأن يكونوا مساطر! أي أنهم يتبنون عقلية المسطرة! يتحركون ضمن قياسات مضبوطة، بالسنتيمتر والمليمتر!

ليس الأمر مقصورًا على ما هو ديني في حياتهم فقط؛ أي ما له علاقة بالعبادة؛ من صلاة وصوم... إلخ، فوساوسهم حول أدائها لا تنقضي، نظرا لأسباب شتى، لعل عقلية المسطرة إحداها، ومحاولاتهم المستميتة في العدّ والحساب، والتأكد من عدم السهو، أو الغفلة، أو النسيان! تراهم في شغل شاغل، وهمّ مقيم، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، إذا تبيّن لهم خلل أو نقص.

هؤلاء حياتهم قائمة على هاجس المثالية في كل شيء؛ من أقصاه إلى أدناه! من الصعب أن تتعايش معهم؛ فهم لا يكتفون بأنفسهم، بل يتجهون للآخرين الذين يختلفون عنهم بكثير من النقد والإزعاج! يجدون أنفسهم دقيقين، منضبطين، في كل شيء؛ فيما يلبسون، أو يقتنون، أو يمتلكون، وفي تربية أبنائهم، وفي علاقاتهم، والتعامل مع من حولهم، من زملاء، وأصدقاء، وغيرهم. وما لم تكن من شاكلتهم، واضطررت للتعامل معهم؛ فإنك ستعاني الكثير جدا؛ لترضيهم، أو تحاول تسيير الأمور معهم.

لا أدري لماذا يصر بعضهم على (عقلية المسطرة)، في حياته: محاسب في كل شيء! مهندس لكل شيء! مصحح لكل هفوة! شرطي أو ضابط، على الدوام! يضع القواعد لكل شيء! (يمشي على عجين ما يلخبطه!) كما يقول إخواننا المصريون، ويظنون أن ذلك النجاح بعينه، أو تقفّي طرقِه والسير عليها! هذا هو العذاب بحد ذاته، مُجسَّدا على الأرض! وعجبًا لهؤلاء؛ كيف يسعون خلف شقائهم بأنفسهم، ويجرون خلف سراب، ليس من طبيعة خلقهم – كما أسلفنا – كما أنهم ليسوا مطالبين بتحميل أنفسهم ما لا طاقة لها على تحمله.

لا يعني ذلك بالطبع، السير على البركات، وتغييب الدقة والانضباط، بقدر ما يعني التعاطي مع النفس بشيء من الأريحية، والمرونة، وكثير من التسامح والرحمة؛ حين يزيغ القلم، أو تنحرف المسطرة قليلا! فالنجاحات الكبيرة متخمة بالأخطاء، كما أن المثالية نفسها لا تعني انعدام الأخطاء، بقدر ما تعني الطريقة الصحيحة في التعامل مع هذه الأخطاء – إن وُجدت – بواقعية تجعل من الحلول (مثالية)، ومن الشخص (مثاليًا) حقيقيا، لا حالة مرضية مهووسة بشبح غير موجود أصلا، نسميه: (المثالية).

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .