العدد 3347
الأربعاء 13 ديسمبر 2017
banner
تجار القدس
الأربعاء 13 ديسمبر 2017

لم تتعرض مدينة في التاريخ القديم والحديث في الكون لتلفيق واتجار بها مثلما تعرضت مدينة القدس، فبصرف النظر عن حروبها مع الصليبيين وصراعها بين الأديان الثلاثة، تمت المتاجرة بها من قبل رموز هذه الأديان الذين أردوا أن يثبتوا ولاءهم للقدس من منطلق حفاظهم على نفوذهم الديني وسلطتهم الدينية التي تتزعزع بتخليهم عن القدس، لا يختلف في ذلك المسيحيون والمسلمون واليهود، وأنا هنا لا أعني عامة البشر من هذه الديانات ممن ينظرون للقدس بأنها قبلتهم، ولكن المقصود هنا أولئك القادة والزعماء ورجال الدين والسياسيون وحتى بعض العامة المتعصبين في هذه الأطراف ممن التحقوا كقطيع وراء تجار الأديان، هؤلاء وعلى مدى قرون الصراع في فلسطين استغلوا القدس وجعلوها أيقونة للتجارة، سواء التجارة السياسية أو الغنائية أو تجارة الأناشيد والخطب والشعارات، بل ذهبوا أبعد من ذلك حينما وضعوا لها قواعد للتجارة، كل هؤلاء في الأديان الثلاثة تلاعبوا بالقدس، فاليهود عاصمتهم بقوة السلاح، والمسلمون عاصمتهم متى ما تمت لهم القوة وعاصمتهم متى ما فقدوا القوة، والمسيحيون هم أقل حدة في الصراع على القدس، لكنها في الواقع التاريخي عاصمتهم أيام الحروب، إذا لا خلاف على أن القدس عاصمة الأديان الثلاثة ولكن تجار القدس في هذه الأديان هم سبب الصراع.

كيف بدأت تجارة القدس؟ في خضم الصراع والحروب التاريخية القديمة والحديثة... ولا أريد هنا في هذه العجالة الدخول في تفاصيل هذه الحروب والعراك بين مختلف الأديان - فهذه متروكة أيضاً لنفس هؤلاء المتاجرين، ولكن ما أعنيه هنا أن الحرب بدأت منذ اختلفت الأديان وتنازعت فيما بينها ولم تتفق على السلام، جوهر هذه الأديان ربما في ظاهره يدعو للسلام ولكن الممسكين بخناق هذه الأديان الثلاثة جعلوا أنفسهم حراسا على الأديان ومن ينازعهم في النقاش والجدل يعتبر خارجا عن ملتهم، بدأ موضوع القدس يأخذ أبعاده بعد نكسة أو نكبة أو حرب الخامس من يونيو 1976 حين خسر العرب القدس وأصبحت من يومها بيد اليهود، العرب فرطوا فيها لأنهم اعتقدوا أن إسرائيل ضعيفة وفرطوا فيها قبل ذلك حين باعوا أرضهم لليهود وفرطوا فيها حين رفضوا أفكار الرئيس التونسي بورقيبة الذي عرض عليهم ما يطالبون به اليوم، كما فرطوا فيها عندما رفضوا خطة الرئيس المصري أنور السادات واعتبروه خائنا للأمة، وخسروها يوم سلموها للخطب والشعارات والأناشيد وتجاروا بها على شكل صور على الملابس وأغنيات على الكاسيت، وفرطوا فيها حين اختلفوا بين عرب السلام وعرب الممانعة، حتى إيران وحزب الله صارا أكبر تاجرين للقدس، ويكفي أن أسلحة القدس في العراق ولبنان وإيران توجه للبحرين، هل هناك تجارة أكبر من هذه؟.

تنويرة:

الكتابة بما تنجزه من عمل وليس بما ترويه من كلام.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .