العدد 2736
الإثنين 11 أبريل 2016
banner
التنازلات المخيفة (1)
الإثنين 11 أبريل 2016

التفاوض يعد أداة مهمة في تسوية المشاكل وحل الخلافات والتوصل لوفاق، كما يعد وسيلة مهمة لزيادة التفاهم والتفاعل وإقامة التوازن بين المصالح المختلفة وبين الآراء المتباينة وبين الحقوق والواجبات، وذلك على المستوى المحلي أو الاقليمي أو الدولي.
منشأ عملية التفاوض في الغالب وجود تضارب في المصالح مع وجود إمكانيات في التصالح أو التوافق يدفع الأطراف نحو التفاوض طوعًا لتحقيق مكاسب والتوصل لحلول وسط مرضية ومقبولة، ولكن ربما تكون الدولة مدفوعة دفعًا لهذا التفاوض باعتباره الوسيلة الوحيدة لدرء أخطار معينة تهددها.
في الحالة الأولى ستكون النتيجة شبه متوازنة أو متعادلة بين الطرفين كونهما يمتلكان أوراقًا مهمة في التفاوض والمساومة، بينما في الحالة الثانية ستكون نتيجة التفاوض محسومة لصالح أحد الطرفين الذي يمتلك الأوراق الأقوى على حساب الطرف الذي اضطر رغمًا عنه للتفاوض للخروج بأقل الخسائر.
فعملية التفاوض الناجحة على تقديم تنازلات متبادلة ومتقاربة من قبل أطراف العملية التفاوضية لأجل تعظيم المصالح المشتركة لهم جميعا، ومن ثم التوصل لاتفاق يعكس هذا النجاح المتبادل الذي يؤشر أيضًا إلى تقارب في القوى بين المفاوضين، والذي بدونه ستميل كفة التفاوض ونتائجها لصالح الجهة الأقوى على حساب الأضعف.
في ضوء ذلك، ليس من المتصور على سبيل المثال أن تكون إيران طرفا رابحا على حساب الولايات المتحدة الأميركية في أية عملية تفاوضية سليمة، حيث إن حسابات المنطق ومعايير القوة والنفوذ ترجح تمامًا الكفة الأميركية حول أية قضية تفاوضية مما يجعلها تتفاوض دون أي إجبار على تقديم تنازلات جوهرية وتصل لمبتغاها من التفاوض بسهولة.
لكن يبدو أن الأمور تسير عكس هذه الحسابات أو ربما هناك اعتبارات وحسابات أخرى وغير مرئية للجميع باستثناء الإدارة الأميركية، وخافية حتى على الرأي العام الأميركي الذي يتساءل هذه الأيام حول أسباب اتجاه الرئيس باراك أوباما لتقديم تنازلات من جانب واحد لتعزيز اقتصاد إيران وإعطائها فرصة باستخدام النظام المالي الأميركي عن طريق وسطاء أو مؤسسات مالية خارجية، وهو الأمر الذي سيؤثر سلبًا على الاقتصاد الأميركي.
المخاوف جاءت بعد تأييد أوباما حلا يسمح لإيران بإجراء معاملات تجارية باستخدام الدولار عن طريق المؤسسات المالية الأوروبية، وذلك رغم تحذير “لجنة العمل المالية” التي تتكون من 40 دولة في شهر فبراير الماضي من عدم معالجة إيران مخاطر تمويل “الإرهاب” ومن التهديد الجدّي الذي يمثله ذلك على النظام المالي العالمي.
جاء موقف أوباما بعد اتهامات إيرانية للولايات المتحدة بخرق الاتفاق النووي معها بعدم تخفيفها ما يكفي من العقوبات ضدها، وبالعمل سرًا لمنع الشركات الأميركية من العمل التجاري معها، وهو ما يدفع إدارة أوباما إلى تنازل خطير وهو السماح بحصولها على الأموال ووصولها للأسواق المالية الأميركية مقابل التفكيك المستمر للمرافق النووية الإيرانية.
أوباما يأمل أن تكون التجارة الأداة والمدخل لإحداث تغييرات إيجابية على نظام الحكم في إيران، كما كان يأمل قبل ذلك بأن يؤدي التوصل لاتفاق نووي مع طهران إلى تغيير سياستها نحو الأفضل وأن تنتهج سياسة معتدلة وتتوقف عن تدخلاتها السلبية في شؤون جيرانها ومحاولاتها المتواصلة لتصدير العنف والإرهاب في المنطقة، وهو ما لم يتحقق منه شيء على أرض الواقع، بل حدث العكس باعتراف كثير من الساسة والخبراء والمتابعين للشأن الإيراني الذين أكدوا أن سياسة طهران تمادت في الأسوأ من جميع النواحي السياسية والأمنية والاستراتيجية وزادت غطرستها وتدخلاتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة في دول ومناطق عدة لإدامة التوتر والعنف والفوضى بها وعرقلة التوصل لحلول وتسويات سلمية لأزمات متعددة كسوريا واليمن والعراق.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية