العدد 1669
الجمعة 10 مايو 2013
banner
الطيّب والشرير في سوريا! سمر المقرن
سمر المقرن
الجمعة 10 مايو 2013


يكفي جدًا ما أريق من دماء سوريّة، ويكفي جدًا ما تشرد من نساء وأطفال وعجزة. والعنف لا يُمكن علاجه ولا إيقافه بعنف مضاد، لأن هذا يؤدي إلى استمراره مع تضاعف نتائجه.. هذا بالضبط ما يحدث في سوريا، التي خرج شعبها منددًا بالظلم، مطالبًا بإيقافه عبر إزالة رأس الظلم المتمثل في النظام، خرج السوريون في ثورتهم السلمية لمدة ستة أشهر، وكنا جميعًا معهم، وبعد أن تزايدت جرائم النظام وتدخل الحرس الثوري الإيراني ومقاتلو حزب الله، ونوري المالكي في العراق كمعبر لأسلحة الموت، لم يعد بإمكان الشعب السوري الصمت عن دمائهم التي أريقت بأبشع الصور، فتم تشكيل الجيش الحر ليكون سدًا منيعًا في الدفاع عن الشعب الذي يموت كل يوم لأنه – فقط - أراد أن يُنهي المهزلة “الأسدية” الجاثمة على أرض سوريا لأكثر من أربعة عقود.
إن قيام الجيش الحر وتسليحه هو أمر مشروع في معركة تقودها إيران بكل قذارة، إلا أن دخول القاعدة من خلال “جبهة النصرة” هو أمر يعني اختلاف سياق الثورة السورية تجاه منحنى عميق لن تخرج منه سوريا على خير. أما تصوير جبهة النصرة بأنهم المقاتلون الطيبون الذين يحملون أكفانهم على كفوفهم، فهو تصوير يُذكرني بالفلم السينمائي “كينج كونج” تلك الأسطورة التي حولت الغوريلا الكبيرة المخيفة من كائن شرير، إلى كائن وديع طيّب بعد أن أصيب قلبه بحب إنسانة من غير فصيلته!.
الشرير لا يتحول إلى طيّب إلا في الأساطير والقصص الخيالية، أما الواقع فهو ما يؤكد أن دخول القاعدة على الخط السوري هو تعقيد أكبر لهذه الأزمة. ولأن العنف لا يُعالج بعنف مضاد، فإن ما حدث قبل أيام من لقاء مهم بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الروسي سيرغي لافروف في روسيا، وما توصلا إليه من حلول يقبلها العقل وتناديها الحكمة، هي ليست في مجال الرفض والمعارضة، فالغريق لا يشترط على منقذه نوعية أو شكل أداة الإنقاذ، والوضع السوري الغريق هو بحاجة لأية أداة تنقذ النساء والأطفال من هذا الموت وهذا التشرد. وإن كانت محصلة الاجتماع هي الاتفاق على أن يلتقي ممثلون عن حكومة بشار وممثلون عن المعارضة، فهذا اللقاء وإن تأخر فلابد أن يقوده عقلاء الطرفين، مع أنني شخصيًا لا أؤمن بإيجابية الحوار العربي الذي دائمًا ما يأخذ شكل الجدل العقيم، إلا أن المأمول في أن يقوده أشخاص لا يبحثون عن مصالح شخصية، إنما يلتقون وأمامهم مصلحة الإنسان السوري، لأن الدماء لن تقف، إن لم يكن هناك تراجع وتضحية، شريطة أن لا تكون التضحية ضد مصالح الشعب السوري، أو تسوية تأخذ شكل بقاء أي من جذور نظام الأسد، والعودة إلى اجتماع جنيف الذي وضع نقاطًا عقلانية لإيقاف الموت، أولها هو تشكيل حكومة انتقالية، إلا أن وجود عناصر من نظام الأسد في هذه الحكومة أمر لا يمكن قبوله، وهو ما يمكن تسويته في الاجتماع المقبل، إن حدث!.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية