+A
A-

6 سنوات وأزمة سكن العمال العزاب تتأرجح بين السلطتين

البلاد - أمل المرزوق
سكن العمال أو “سكن العزاب”، مشكلة تؤرق جفن الخليج العربي عموما؛ نظراً للزيادة المستمرة للأيدي العاملة الآسيوية.
وليست مملكة البحرين بمعزل عن تلك المشكلة، التي لم تجد لها حلاً حتى اليوم؛ بسبب الخلاف ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حول قانون ينظم تلك المساكن.
تعود المشكلة للمناقشة تحت قبة البرلمان الأسبوع المقبل، رغم أنها ليست جديدة، فقد قدم مجلس النواب خلال الفصول التشريعية السابقة اقتراحات برغبة بشأن وضع آليات وأنظمة لعلاج مشكلة سكن العمال العزاب في المناطق التي تسكنها الأسر البحرينية، والثاني بشأن تخصيص سكن للعمال الأجانب العزاب في جميع المناطق الصناعية في مملكة البحرين، وكان مبرر الاقتراحين هو وضع حد للمشكلات الاجتماعية والأخلاقية التي تسببها العمالة الوافدة في المناطق السكنية ومضايقتهم للعائلات البحرينية، ونشرهم عادات وظواهر غريبة على المجتمع البحريني.
وعلى رغم أن الحكومة وافقت في العام 2009 على تشكيل لجنة لتنظيم سكن العمال العزاب الأجانب، والعمل على إصدار قانون بهذا الخصوص، لكن ذلك لم يحصل لاحقاً، مما حدا بمجلس النواب التقدم باقتراح آخر لتحديد المناطق التي يمكن إنشاء مناطق لسكن العمال فيها خارج المناطق السكنية.
خلال السنوات الأخيرة كانت هناك العديد من الحوادث التي يعتبر سكن العمال والعزاب جزءً أساسياً منها، بينها الحريق الذي نشب في سكن العمال في يناير 2013 وكذلك الحريق الذي جرى في العام 2009، والذي راح ضحيته عشرات العمال الآسيويين، كانوا يسكنون في مكان غير ملائم ومخالف لاشتراطات السلامة.
وقد صرح وزير شؤون البلديات والتخطيط العمراني حينها أن أكثر من 80 % من سكن العمال والعزاب في البحرين مخالف بصورة مؤكدة. كما نوه الوزير بأن المحرق والمنامة أكثر المناطق التي تتواجد فيها مساكن العزاب والعمال، وأن الأعداد فيها لا تقارن ببقية المحافظات.
وكلفت اللجنة الوزارية لشؤون مجلسي الشورى والنواب، في وقت سابق، وزارة شؤون البلديات والزراعة لدراسة وضع آليات وأنظمة علاج مشكلة سكن العمال العزاب الأجانب في المناطق التي تسكنها الأسر البحرينية، والرغبة في تخصيص سكن للعمال الأجانب العزاب في جميع المناطق الصناعية في البحرين.
وعليه قامت الوزارة بتشكيل لجنة متخصصة من الجهات المعنية بالموضوع، وبتنظيم الاجتماعات الدورية في ديوان الوزارة، وبلورة صيغة موحدة يمكن للوزارات المعنية تطبيقها؛ بغرض الحد من المشكلة على المدى القصير، وكذلك وضع الحلول الكفيلة لحلها على المدى البعيد.
لكن بقى الحال دون وجود نص قانوني يحد من تسكين العمال العزاب بجوار سكن العوائل البحرينية، إضافة إلى قلة الأجور التي يتقاضاها العمال، ومسؤولية أرباب العمل عن توفير سكن مناسب قبل وصول العمال إلى البحرين، وقلة المعروض من السكن لذوي الأجور المتدنية من العمالة، ومحاولة أرباب العمل تقليل كلفة التشغيل للمشاريع وإعطاء بدل السكن للعامل، وكثرة العمالة من فئة الفري فيزا.
تم من خلال عمل عدد من الوزارات مثل: وزارة العمل، وزارة الصناعة والتجارة، وزارة البلديات، وغيرها من الجهات لاختيار أربعة مواقع لسكن العمال الأجانب العزاب، لتكون قرب المناطق الصناعية وبعيداً عن بيوت المواطنين.
في مارس 2013، طلب مجلس النواب من الحكومة إيجاد حلول جذرية لمشاكل سكن العزاب، والترتيب والتنسيق بين أجهزة السلطة التنفيذية؛ لتدارك المسألة الحاصلة حالياً، وهي تقاذف تحمل المسؤولية بين مختلف الأطراف، وأن المشكلة تفتقد للتشريع الذي يُنظمها.
لكن وزير العمل جميل حميدان أشار في هذا الشأن إلى أن قانون البحرين لا يلزم أصحاب العمل بتوفير سكن للعمال، وإنما ظلت العملية بالتنسيق بين العامل وأرباب العمل على شكل اتفاقات، إلى أن انتشرت ظاهرة سكن العمال العزاب في الأحياء القديمة بالمحرق والمنامة وأصبحت تشكل 70 % ومن الصعب أن تقرر فجأة نقلهم إلى المناطق الصناعية كالحد أو مناطق صناعية أخرى. وصدرت توجيهات من مجلس الوزراء بإعداد تقارير مفصلة حول مشكلة سكن العمال والعزاب في الأحياء الشعبية، كما تم تشكيل لجنة وزارية لهذا الشأن، وتضمنت لجان مشتركة برئاسة المحافظين بكل محافظة لمسح الحالات في بعض المناطق السكنية التي تشكل خطرا حادقا وكل وزارات الدولة ممثلة في اللجان وتم تقديم قضايا للنيابة العامة صدرت أحكام بإخلاء العديد من المساكن.
وفي مارس 2013 طلب ممثلو الجهات الحكومية من لجنة الخدمات بمجلس النواب، التريث في تمرير مشروع قانون بشأن سكن العمال إلى أن تستكمل اللجنة المشكلة من مجلس الوزراء أعمالها وترفع توصياتها بهذا الخصوص. وأوضح النائب عبدالله بن حويل أن موقف الجهات الحكومية المعنية منذ تقديم الاقتراح بقانون كان متردداً في قبول الأحكام التي تضمنها المقترح، وكان ذلك جلياً في ردود وملاحظات وزارة العمل، ووزارة البلديات والتخطيط العمراني، وهيئة تنظيم سوق العمل، ووزارة الصناعة والتجارة، والتي تضمنت تقارير اللجنة خلاصة مرئياتها.
على رغم أنه تم خلال يوليو من العام 2010 فتح باب الإيجار لمباني سكن العمالة العازبة بمرسى البحرين للاستثمار في منطقة الحد الصناعية، حيث توجد مباني جاهزة حالياً لاستيعاب 7 آلاف عامل عازب، وأن 1500 فقط ممن انتقلوا للعيش هناك حتى الآن كانوا يقطنون في مناطق مختلفة داخل المحرق، بحيث تكون عملية إيجار المباني تكون بالتنسيق مع أصحاب الشركات وكفلاء العمال العزاب عبر شركة الخليج للتعمير العقارية.
إلا أن الحكومة وغرفة وتجارة وصناعة البحرين قد عارضت بشدة مشروع قانون سكن العمال الذي تمت مناقشته في مارس 2012، حيث حظر المشروع بقانون في مادته الثانية تأجير العقار “لسكن العمال إلا بعد صدور تصريح بذلك من الجهة المختصة، وفي الأماكن التي يصدر بتحديدها قرار من المجلس البلدي - في حدود اختصاصه - ويشترط أن تكون خارج نطاق التجمعات السكنية للأسر.
وتحدد بقرار من الوزير بالتعاون مع الجهات المعنية الاشتراطات الصحية والوقائية والأمنية والشروط الأخرى التي يجب تحققها في هذه المساكن والتي يجب تحققها لإصدار التصريح”. أما المادة الثالثة بعد إعادة الترقيم فألزمت “المؤجر أو صاحب العمل بتحديد أسماء العمال في سكن العمال وتحديث بياناتهم، وإيداع نسخة من الكشوفات التي تتضمن أسماء وبيانات العمال لدى الإدارة المختصة بوزارة العمل كل سنة”.
ونصت المواد الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة المخالفات والعقوبات، فبينت المادة الرابعة بعد إعادة الترقيم إلى أن مخالفة المادة الثانية يترتب عليها “توجيه إنذار مسجل بعلم الوصول بإخلاء العقار المخالف بعد التحقق من المخالفة وإثباتها في تقرير من قبل مفتشي الجهة المختصة.
وإذا لم يستجب المخالف لطلب الإخلاء خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الإنذار يصدر رئيس المجلس البلدي قراراً بإخلاء العقار إدارياً”. فيما أشارت المادة الخامسة بعد إعادة الترقيم إلى أنه “مع عدم الإخلال بنص المادة (20) من المرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2001 بإصدار قانون البلديات، فإنه يحق لصاحب الشأن التظلم من قرار الإخلاء الإداري أمام الوزير خلال 15 يوماً من تاريخ إخطاره بالقرار بخطاب مسجل بعلم الوصول.
وإذا لم يبت فيه الوزير خلال 15 يوماً من تاريخ إخطاره بالتظلم فإن ذلك يعد موافقة ضمنية على التظلم يترتب عليه إيقاف قرار الإخلاء الإداري. وفي حال رفض التظلم خلال المدة المقررة للبت فيه فإنه يلزم المؤجر بإخلاء العقار وللجهة المختصة استخدام القوة الجبرية - إذا اقتضى ذلك - لتنفيذ القرار.
وفي جميع الأحوال لا ينفذ قرار الإخلاء الإداري إلا بعد انقضاء فترة التظلم أو البت فيه بحسب الأحوال”.
ونصت المادة السادسة بعد إعادة الترقيم على “يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن ألف دينار ولا تجاوز خمسة آلاف دينار كل من ينفذ حكم الإخلاء ضده بموجب المادة (5) من هذا القانون”، فيما نصت المادة السابعة على أنه “يعاقب بالغرامة التي لا تجاوز 500 دينار كل من يخالف حكم المادة (3) من هذا القانون”.
وأعطى المشروع بقانون المؤجرين وأصحاب العمل والعمال سنة من تاريخ نشره لتوفيق أوضاعهم وفق ما ورد فيه، إذ نص على إلزام “المؤجرين وأصحاب العمل والعمال بتوفيق أوضاعهم طبقاً لأحكام هذا القانون خلال سنة من تاريخ العمل به. وتلغى بقوة القانون جميع العقود والاتفاقات الواردة على مساكن العمال التي تمت بالمخالفة لأحكام المادة (2) من هذا القانون، والتي أبرمت في تاريخ سابق على العمل بأحكامه، وذلك اعتباراً من انتهاء المدة المنصوص عليها في الفقرة السابقة.
وقالت وزارة العمل في حول المشروع بقانون إنه نظراً لصغر المساحة الجغرافية لمملكة البحرين، ترى الوزارة أن تخصيص مناطق معينة لسكن العمالة الوافدة يترتب عليه بعض الآثار الاقتصادية على سوق العقار في المملكة، علاوة على التأثير على شبكة الطرق وزيادة الاختناقات المرورية في بعض المناطق، لذا يتطلب الأمر إجراء المزيد من الدراسات الاقتصادية؛ للوقوف على إمكان تطبيق هذا المقترح.
مشيرة إلى ضرورة الالتفات إلى أن وجود تجمع كبير بين العمالة الوافدة من نسيج واحد في منطقة محددة يمكن أن يؤدي إلى بعض الآثار السلبية على الصعيد الأمني كتكون العصابات والشبكات التي تمارس أنشطة محظورة كالدعارة وغيرها.
وعليه، ترى الوزارة ضرورة العمل على إجراء المزيد من الدراسات الاجتماعية ومناقشة التأثيرات الأمنية على المجتمع بالنظر إلى تجارب الدول الأخرى في هذا المجال كدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث قد يتطلب الأمر توفير خدمات الأمن بشكل مكثف في مثل هذه المناطق؛ للسيطرة على الجرائم والحفاظ على النظام.
واعتبرت غرفة تجارة وصناعة البحرين أنه بالرغم من نبل الأهداف التي يرمي إليها المشروع، إلا أن تطبيقه عملياً صعب نسبياً، فغالبية المستثمرين أو أصحاب الشركات الكبرى من حيث عدد العمال كشركات المقاولات وغيرها لديها مساكن لعمالها.
لافتة إلى أن تكتل العمال - العزاب خصوصا - في أماكن محددة يؤدي إلى مشاكل بعيدة الأثر من الناحية الاجتماعية والسياسية وغيرها، مشيرة إلى أن المسؤولية تقع على مفتشي وزارة الصحة وبقية مأموري الضبط المختصين في التأكد من اشتراطات الصحة والسلامة في المساكن.
مؤكدة أن تركز العمال في منطقة معينة يعني زيادة كلفة تنقلهم أو نقلهم من مكان إقامتهم لمكان عملهم والعكس صحيح، وختمت أن وجود العمال في أماكن محددة قد يؤدي لتكتل هؤلاء العمال لأجل مصالح معينة تخالف مصالح القطاع الخاص.
ورأت وزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني أن المخرج والحل الناجع لهذه المشكلة يكون بتفعيل القرار الوزاري رقم (8) لسنة 1978 بتحديد الاشتراطات والمواصفات الصحية لمساكن العمال الذي يعتبر الأساس القانوني لسكن العمال في مملكة البحرين. وجدد ممثلو الوزارة تأكيدهم ضرورة معالجة ما يشوب المشروع بقانون من شبهة دستورية، إضافة إلى معالجة التعارض مع الالتزامات الدولية لمملكة البحرين بموجب الاتفاقات الدولية من خلال ما يثار حول الإخلال بمبدأ المساواة بين العمال، مشيرين كذلك إلى ضرورة اتخاذ تدابير وإجراءات عاجلة لحل هذه المشكلة في الوقت الراهن، وذلك من خلال استخدام الأدوات البرلمانية المتاحة كالاقتراحات بقوانين لحين صدور هذا القانون، مستشهدين في الوقت ذاته بما شهدته بعض الدول المجاورة من تبنيها لفكرة المدن العمالية وما ترتب عليها من أضرار سلبية.