+A
A-

إلزام شركة وطنية كبرى بدفع تعويضات لعدد من الموظفين فصلتهم تعسفيًا

صرح المحامي والمحكم الدولي محمد رضا بوحسيّن أن المحكمة العمالية الأولى ألزمت إحدى الشركات الكبرى في البلاد بتعويض عدد من الموظفين ثبت فصلهم تعسفياً عبر إكراههم على تقديم استقالتهم من الشركة وقبول المبالغ التي فرضتها عليهم كتعويض عن الاستقالة، بعد أن أجبروا على التوقيع على إقرار باستلام مستحقاتهم وإبراء ذمة الشركة المدعى عليها؛ وذلك بأن تدفع لكل منهم مبلغ 10 آلاف دينار مع الفائدة القانونية بواقع 5 % سنوياً, من تاريخ 20/4/2011 وحتى السداد التام، كما ألزمتها بدفع المناسب من مصاريف الدعوى ومبلغ 10 دنانير مقابل أتعاب المحاماة عن كل مدعٍ، فيما رفضت ما عدا ذلك من طلبات تمثلت في إعادتهم لوظائفهم وبطلان استقالاتهم والإقرارات المذكورة وكذلك التعويض عن فترة توقفهم عن العمل اعتباراً من تاريخ الفصل التعسفي المذكور.
وذكر بوحسيّن أن المدعى عليها قامت بإكراه الموظفين -أكثر من 90 موظفاً من ضمنهم موكلوه البالغ عددهم 27 مدعياً- لتقديم استقالتهم من العمل وقبول المبالغ التي حددتها سلفاً وفرضتها عليهم، فقد أعدت نموذج استقالة وآخر إقرار باستلام المستحقات وإبراء ذمة وإقرار ثانٍ باستلام المستحقات، وكل ذلك كان نتيجةً لما وقع من أحداث سياسية مرت بها المملكة آنذاك، فقد قررت المدعى عليها فصل المدعين وآخرين بإجراءات صورية، وأعدت نماذج الاستقالات وإقرارات إبراء الذمة، وهددت المدعين بالتنكيل بهم واستخدام سلطة مديريها ورؤسائها لاتخاذ إجراءات غير قانونية باستخدام الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد وزج أسمائهم في قضايا السلامة الوطنية والقبض عليهم وحبسهم إذا لم يذعنوا لأوامرها بالتوقيع على نماذج الاستقالات وإقرارات إبراء الذمة واستلام المستحقات، كما قامت بتعديل التاريخ لتفادي الحكم الخاص بالمادة (153) من قانون العمل، والتي تقرر بطلان تلك الإجراءات التي اتخذتها.
وأضاف المحامي أن المدعين دفعوا تجاه هذه الاستقالات المقدمة بالبطلان لتوقيعها تحت ضغط وإكراه، فضلاً عن أنها تحوي تنازلاً عن الوظيفه وحقهم الطبيعي في العمل المنصوص عليه دستورياً وقانونياً وفي المعاهدات الدولية كافة الموقعة عليها مملكة البحرين، فضلاً عن حق المدعين في العودة إلى العمل وفقاً لتوجيهات جلالة ملك البحرين؛ باعتباره رأس الدولة والممثل الأسمى لها وبصفته متولياً السلطة التشريعية وفقاً للدستور، والسلطة التنفيذية مع مجلس الوزراء والوزراء، وباسمه تصدر الأحكام القضائية، فقد أصدر جلالته تعليماته بعودة جميع المفصولين في القطاعين العام والخاص الذين انهيت خدماتهم لأسباب سياسية في الفترة من فبراير 2011 وما بعدها، كما تضمن تقرير لجنة تقصي الحقائق التي كلفها جلالة الملك بضرورة إعادة المفصولين من عمال الشركة -المدعى عليها- خصوصا، على إثر ذلك فقد قامت المدعى عليها باعادة بعض العمال المفصولين، إلا أنها لم تعامل المدعين بالمثل، مُخالفة بذلك المبادئ الدستورية والقانونية المقررة للمساواة وعدم التمييز.
وبين بوحسيّن في مرافعته دور القضاء في حماية الحقوق العمالية، واستغلال المدعى عليها الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد، حيث برز لدى المدعى عليها فئة ممن مارست هذا الدور بأسلوب تحدّت فيه شرعية القانون والنظام الداخلي للشركة، ضاربين القيم والمبادئ الدستورية التي جعل البعض منها تحت حماية جلالة الملك مباشرةً لما تمثله من أهمية قصوى لنظام الحكم بالمملكة - وهو ما دعى جلالة الملك لإصدار أوامر ملكية باعادة المفصولين- غير عابئين بنتائج مثل هذا السلوك على الوحدة والمصلحة الوطنية العليا والنتائج المدمرة التي يمكن أن يعكسها على الاقتصاد الوطني، وما يمكن أن يحققه من نتائج تكون مصالح المدعى عليها ذاتها في خطر دائم ومحدق بعد التخلص من القوى العاملة ذات الخبرات الفنية المتراكمة والمدربة على أعلى المستويات خدمة لأغراض المدعى عليها التي تمثل أحد الشرايين الاقتصادية المهمة في هذا البلد على المستويين الإقليمي والدولي، وإحلال آخرين تنقصهم الخبرة والكفاءة والتدريب بشكل فوري ومباشر لغاية في نفس يعقوب، وهو فقط التخلص من هذه الفئة المميزة للإحلال في مناصبهم ومكانتهم الوظيفية.
وأعرب بوحسيّن عن تساؤله في مرافعته، كيف يعقل أن تقوم المدعى عليها في ظروف استثنائية شديدة الحساسية هي في أمس الحاجة إلى القوى العاملة ـ خاصة وأنها قطاع حيوي للاقتصاد الوطني ـ بالتخلص من هؤلاء العاملين المميزين المدربين ذات الكفاءات العالية في وقت هي أحوج إليهم فيه من أي وقت مضى؟ أو كيف يعقل للمدعين وغيرهم من العمال ـ كما تزعم المدعى عليهاـ أن يقوموا في الظروف الاستثنائية في وقت واحد وبعدد يجاوز 90 شخصاً بتقديم استقالتهم للخروج من “حالة الثابت”، وهو عملهم ووظيفتهم التي يعيشون عليها مع عائلاتهم “إلى المجهول”، وهو أن يكونوا عاطلين عن العمل، وهم يعلمون تمام العلم بأن فرص الحصول على وظائف في ظل الأوضاع حتى تاريخه أمر يصعب تحقيقه، فأي عامل يمكن أن يخرج من الثابت إلى المجهول، وأي عامل يمكن أن يتلاعب بمصيره وعائلته ومن يعوله في ظروف حساسة يجبل على تقديم استقالته؟ وإذا افترضنا إمكان ذلك جدلاً لواحد أو خمسة، فهل يعقل أن يقدم 90 عاملاً في وقت وظرف واحد استقالتهم؟! مشيراً إلى أن ذلك أمر نترك تقديره لضمير المحكمة التي لاشك لا يفوتها إدراكه وفقهه كنهته.
وقال بوحسيّن إن سحق حقوق المدعين وغيرهم وحرمانهم وإلحاق الظلم بهم يولد سخطاً يبلغ من جسامته تعريض الأمن والاستقرار الوطني فضلاً عن ضرب الوحدة الوطنية، وهو ما يجبرنا على الوقوف صفاً واحداً حماية لهذه الوحدة وصولاً لاستقرار دائم، إلا أن الحقيقة أن المدعى عليها قامت بممارسة أقسى أنواع الإكراه والتهديد والوعيد بالمدعين وغيرهم من العمال في أوقات كانت البلاد تمر بحالة استئثنائية ووضع أمني غير مستقر وشعور بعدم الطمأنينة بالنسبة للمواطن، وقد استغلت المدعى عليها هذه الظروف للتلاعب بالمدعين وغيرهم من العمال ومصائر عائلاتهم المرتبطة بهم مباشرة، ودعتهم إلى تسوية أوضاعهم مع الشركة المدعى عليها في صورة استقالة يتقدمون بها وإقرار بذلك من جانبهم، فما كان منهم إلا القبول في وقت يتعاصر مع ظروف استثنائية وأمنية لا يمكن التنبؤ بما يكون عليه حالهم وعائلاتهم بعد حين لو رفضوا تقديم استقالاتهم.
وأكد المحامي أن محكمة النقض المصرية استقرت على (لما كان الإكراه المبطل للرضا يتحقق – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – بتهديد المتعاقد بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها، ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن يقبله اختياراً، وكان تقدير وسائل الإكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها في المتعاقد نفسه هو من الأمور الموضوعية التي يستقل بالفصل فيها قاضي الموضوع، مراعياً في ذلك جنس من وقع عليه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف آخر من شأنه أن يؤثر في جسامة الاكراه)، وهو ما أكده المدعون عبر إكراههم على تقديم استقالاتهم في أوقات وظروف استشنائية، فضلاً عن العدد الكبير لهؤلاء العمال، ويدل هذا على حقيقة ما يدعونه من تعرضهم للإكراه بمختلف الطرق والوسائل، وهو ما يمكن إثباته عبر التحقيق فيه.
وأشار بوحسيّن إلى أن المدعى عليها خالفت القواعد الدستورية والدولية والقوانين الوطنية، إذ إن القضاء الدستوري استقر على تأكيد هذه الحقيقة بحكمه (إن سيادة القانون في الدولة هو محور نظامها القانوني وأساس شرعيتها، وإن ممارستها لسلطاتها لم تعد امتيازاً شخصياً لأحد، لكنها تباشرها نيابة عن الجماعة ولصالحها مقيدةً في ذلك بقواعد قانونية تعلوها وتعصمها من جموحها لضمان ردها على أعقابها أن هي جاوزتها متخطية حدودها)، مبيناً أن فصل المدعين واستبعادهم من شغل وظيفتهم لدى المدعى عليها إنما جاء لأسباب سياسية وأخرى قائمة على التمييز تجاه المفصولين.
وأوضح المحامي بوحسيّن أن كل تصرف مخالف للدستور يكون تصرفاً غير مشروع، وبما أن سلوك المدعى عليها بفصل المدعين خالف دستور مملكة البحرين لسنة 2002 وما نصت عليه المواد (13) و(16) و(18) و(19)، كما خالف القرار ما تضمنه القانون رقم (10) لسنة 2007 ـ الموافقة على انضمام مملكة البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المادة (6) و(7) على الحق في العمل، كما خالف المادة (34) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان والمصادق عليه بالقانون رقم (7) لسنة 2006، حيث تضمنت أن (حق العمل لكل مواطن وحماية حقوقه ودون تمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي)، فضلاً عن مخالفته للأوامر الملكية، والتي أمرت بتشكيل لجنة تقصي الحقائق المستقلة، ثم الأوامر الملكية بإرجاع المفصولية لأعمالهم، وهي أوامر ملكية تعالج الوقائع والأحداث الاستثنائية التي مرت بها البلاد وخضعت لقانون السلامة الوطنية، بما لا يجوز معه التمسك بتطبيق نصوص قانون العمل وذلك لسببين:
الأول: إن تطبيق هذه المادة إنما يتم في حال معالجة النزاعات القائمة بين أرباب العمل والعمال في الظروف العادية، أما وإن الفصل تم لأسباب ترجع للظروف الاستثنائية بما يستوجب تطبيق الأوامر الملكية التي صدرت لتعالج هذه الأحداث الاستثنائية والالتفات عن نصوص قانون العمل.
ثانياً: إن التمسك بنصوص قانون العمل فيه استغلال للقانون؛ بهدف تحقيق أغراض غير مشروعه بقصد الخروج عن القانون من خلال إساءة استعماله مع التظاهر باحترامه، فهي تخرج من كونها مخالفة متعمدة لأهداف القانون الذي يطبق في الظروف العادية بل وللأوامر الملكية التي تعالج هذه المسائل وواجبة التطبيق والمختصة تشريعياً باعتبارها تعالج ما أفرزته الفترة الاستثنائية.
ولفت المحامي بوحسيّن إلى أن فصل المدعين وإجبارهم على ترك عملهم جاء لدوافع لا تتعلق البتة بالمصالح الوطنية، بل هو ضد المصلحة الوطنية والوحدة الوطنية وحماية حقوق المواطن وسيادة القانون، حيث تجلى للمدعى عليها أن تستخدم القانون بأسلوب يخالف غايته وأهدافه لتحقيق أهداف ومصالح غير مشروعة، فإن قيام المدعى عليها بفصل المدعين وغيرهم من العمل لغاية تهدف التخلص منهم، وهم مواطنوين وعمال ذوو سجل وظيفي يتمتع بأعلى مواصفات المهنية والدقة والخبرة والانضباط وحسن أداء مهامهم على أكمل وجه، لهو أمر في حقيقته يخالف ما نص عليه الدستور والمواثيق الدولية التي أصبحت قوانين وطنية بعد تصديق الدولة عليها وفقاً للأصول القانونية وللأومر الملكية التي تتمتع بصفة الإلزام، بما في ذلك استغلال حكم القانون بقصد الخروج على روحة والغاية التي هدف إليها المشرع، وقد استقر قضاءً على أن (استعمال القانون بقصد الخروج على القانون وبهذه المثابة تكون إساءة استعمال السلطة ضرباً من تعمد مخالفة القانون مع التظاهر باحترامه، فهي لا تخرج عن كونها مخالفة متعمدة لأهداف القانون، بل وللقانون ذاته لتعذر التفرقة بين نصوص القانون وأهدافه)، إضافة لمخالفتها الأوامر الملكية الملزمة لجميع الجهات بخصوص إرجاع المفصولين وكذلك لنص لمادة (18) من الدستور.
وأضاف بوحسيّن إن إصدار الملك للمراسيم أو الأوامر الملكية بصفته رأس السلطات في البلاد، فإن هذه المراسيم والأوامر الملكية تصبح في مرتبة القانون أو أعلى منه باعتبار أنها تكون واجبة التطبيق وملزمة للسلطات جميعاً حتى وإن كانت مخالفة للقوانين العادية التي كانت سارية المفعول قبل الفترة الاستثنائية، باعتبار أن تطبيقها غاية رئيسة ومهمة لمعالجة المخاطر السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي تمر بها البلاد، فتكون من حيث المرتبة والتطبيق مقدمة على القوانين والتشريعات العادية التي كانت سارية اثناء الظروف العادية، فضلاً عن أن الملك هو من يحمي شرعية الحكم وسيادة الدستور والقانون، وحقوق الأفراد وحرياتهم، وباسمه تصدر الأحكام القضائية، لذا فلا يمكن اعتبار الأوامر الملكية قرارات إدارية تخضع للرقابة القضائية التي عليها الإلتزام بها باعتبارها صادرة من القاضي الأعلى والذي تصدر الأحكام باسمه.
والتمس المحامي بوحسيّن في نهاية مرافعته من عدالة المحكمة الحكم أصليا:
1. إلزام المدعى عليها بتنفيذ أوامر جلالة الملك ورؤساء اللجان المعينة من قبله والخاصة بإعادة المدعين الى عملهم.
2. الحكم ببطلان الاستقالات والإقرارات المقدمة من المدعى عليها لوقوعها تحت ضغط وإكراه.
3. إلزام المدعى عليها بتعويض المدعون عن فترة توقفهم عن العمل ويقدره المدعون بما يساوي مجموع رواتبهم من تاريخ الفصل التعسفي وحتى تاريخ عودته إلى العمل مع الفائدة القانونية بواقع 12 % من تاريخ الاستحقاق وحتى تمام السداد.
4. إلزام المدعى عليها بتعويض المدعون عن الإنهاء التعسفي لعقد العمل ويقدره المدعون بما يساوي مجموع رواتبه من تاريخ إنهاء العقد وحتى بلوغه سن التقاعد مع الفائدة القانونية بواقع 12 % من تاريخ الاستحقاق وحتى تمام السداد.
5. إلزام المدعى عليها بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة، أولاً: بإلزام المدعى عليها بأن تؤدي مبلغ 10 آلاف دينار لكل مدع من المدعين (2 ،4 ،5 ،7 ،8 ،9 ،10 ،11 ،12 ،13 ،14 ،16 ،17 ،18 ،20 ،21 ،22 ، 24 ،25 ،26 ،27 ،28 ،30 ،31 ،32 ،35 ،38 ،40 ،42) مع الفائدة القانونية بواقع 5 % سنوياً, من تاريخ 20/4/2011 وحتى السداد التام، ثانياً: إلزام المدعى عليها بالمناسب، من مصاريف ومبلغ 10 دنانير مقابل أتعاب المحاماة لكل مدع من المدعين المذكورين أعلاه، ثالثاً: رفض ماعدا ذلك من طلبات.