+A
A-

المساكن الاقتصادية ذات الجودة لم تنل الاهتمام الكافي في المنطقة

الكويت - المركز: أصدر المركز المالي الكويتي “المركز” تقريره حول قطاع المساكن الميسّرة في دول مجلس التعاون الخليجي، تناول فيه تحليل أوضاع هذا القطاع في المنطقة من حيث عوامل تحفيز الطلب، وتقديرات الطلب في كل من الدول الأعضاء، والتحديات الرئيسة، والعقبات في جانب العرض، والسياسات الموصى باعتمادها. كما يحتوي التقرير على معلومات حول المبادرات الحكومية المختلفة التي يجري تنفيذها في المنطقة والتوجهات في القطاع على مدى الفترة المقبلة.
وأشار تقرير “المركز” إلى أنه في حين لا يميز مصطلح “المساكن التقليدية” بين التفاوت في مستويات الدخل، فإن تعريف مصطلح “المساكن الميسّرة” ينحصر في المساكن التي تؤمن مستوى وموقع معقول للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط، ولا تكون تكلفتها عالية إلى درجة لا تستطيع معها الأسرة الحصول على احتياجاتها الأساسية الأخرى بشكل مستدام. أي بعبارة أخرى، يكون السكن الميسّر ضمن حدود الإمكانات المادية للأسر ذات معدل الدخل المتوسط في أي دولة. غير أن الطلب على المساكن الميسّرة في دول الخليج يعتبر من المسائل الأساسية التي لم تحظَ حتى الآن بالاهتمام الذي تستحقه من صناع السياسة. وقد أصبحت الحاجة ماسة إلى دراسة مسألة النقص في المساكن الميسّرة في منطقة الخليج والعوامل الكامنة في النظام التي تؤدي إلى هذا النقص المزمن.
ويقدر التقرير عدد سكان منطقة دول مجلس التعاون بما مجموعه 49.3 مليون نسمة كما في العام 2013، ومن المتوقع أن تشهد المنطقة نموًا سكانيًا بمعدل أعلى مقارنة بالدول المتقدمة والنامية. وهذا العامل، إضافة إلى تزايد حجم القوى العاملة في المنطقة، يؤدي إلى ضغط شديد للمطابقة بين العرض والطلب على المساكن الميسّرة في دول المجلس، والتي أصبحت من أكثر المناطق عمرانًا في العالم حيث يقطن أكثر من 75 % من سكانها في المدن. كما أن معدلات البطالة في دول المجلس لا تزال مرتفعة، وقد وصلت إلى 15 % من مجموع عدد السكان في سن العمل في كل من البحرين وسلطنة عمان، مقارنةً بمعدل 10.5 % في المملكة العربية السعودية. أما الناتج المحلي الإجمالي للفرد في دول الخليج فيعتبر مرتفعًا وهو مماثل لما هو عليه في الدول المتقدمة، وأفضل مقارنةً باقتصادات أسواق ناشئة كالصين والهند والبرازيل. ويترجم هذا المعدل المرتفع للناتج المحلي الإجمالي للفرد في دول المجلس إلى ارتفاع في الطلب على المساكن عمومًا، بما في ذلك المساكن الميسّرة. وسوف يؤدي التزام دول الخليج بتنويع اقتصاداتها لتحفيز النمو المستقبلي في المنطقة إلى زيادة الطلب على المساكن منخفضة التكلفة حيث تصبح الشرائح السكانية الأقل دخلاً قادرة على تحمل تكلفة امتلاك منزل.
من المتوقع أن يكون الطلب على المساكن الميسّرة مرتفعًا في جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون، حيث يقدّر مجموع الطلب على المساكن الميسّرة في المملكة العربية السعودية بأكثر من 3 ملايين في العام 2014، حوالي 82 % منها في مناطق عمرانية. أما في قطر، من المتوقع أن يتركز كامل الطلب على المساكن الميسّرة في المناطق العمرانية.
ولفت التقرير إلى اتساع الفجوة بين العرض والطلب على المساكن الميسّرة في دول مجلس التعاون، حيث يواجه قطاع المساكن الميسّرة في منطقة الخليج تحديات كثيرة منها تشديد شروط منح التسهيلات الائتمانية وتقلبات أسعار مواد البناء وتراجع هوامش أرباح المطورين العقاريين. كما أن الصعوبات في جانب العرض والمتمثلة في النقص في تمويل المشاريع السكنية، وتأخر صدور الموافقات المطلوبة، وعدم كفاءة نظام التخطيط العمراني، وإعطاء الأولوية لأعمال البناء ذات التكلفة العالية (كالفلل والشقق الفخمة)، ولوائح الانتظار الطويلة لبرامج الإسكان الحكومية، تشكل جميعها مزيدًا من الضغوط لتنفيذ المشاريع في هذا القطاع.
غير أن المبادرات الحكومية الأخيرة تعتبر مشجعة، فقد بدأت الحكومات بتوفير الأراضي في مواقع جيدة وبأسعار معقولة. كما تقدم الحكومات الخليجية أيضًا حوافز للمطورين العقاريين وتعمل على تشكيل هيئات تطوير عمراني في المنطقة، وأصبحت هناك في السنوات الأخيرة درجة قبول أعلى للشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجلس التعاون بفعل تزايد قدرة القطاع الخاص على تنفيذ مشاريع الإسكان الضخمة، ولكن المطورين بحاجة لأن يشعروا بالثقة والاطمئنان من إمكان الحصول على السيولة بشكل مستقر عند تطوير مخططات المساكن الميسّرة. ومن شأن عمليات الدمج والاستحواذ لمطوري المساكن أن تؤدي إلى تحسين هامش الربح في مشاريع المساكن الميسّرة، و تمكين المطورين من الحصول على السيولة بسهولة أكبر مقارنةً بمعظم المنافسين في جميع أنحاء العالم، وبالتالي إتاحة التنفيذ الفعال والسريع لمشاريع التطوير العقاري.
وتعتبر مسألة توفير المساكن الميسّرة في دول مجلس التعاون مهمة وأساسية ويجب التعامل معها بصورة عاجلة، ولابد من وضع خطة عمل فعالة للتركيز على دمج الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتخطيط والتطوير الفعلي باعتماد سياسة إسكان وطنية وإستراتيجية تأخذ في الاعتبار النمو السكاني المستقبلي في المدن الكبرى والتشجيع على الانتشار في ضواحي عمرانية أخرى.