في عام 1979، سطّرت جلالة الملكة إليزابيث الثانية (Queen Elizabeth II, 1926–2022) فصلًا جديدًا في التاريخ بصفتها أول امرأة تتولى منصب رئيسة دولة تزور رسميًا منطقة الخليج. شكّلت زيارتها الرسمية التي استمرت ثلاثة أيام إلى مملكة البحرين، برفقة صاحب السمو الملكي الأمير فيليب (Prince Philip, 1921–2021)، دوق إدنبرة، لحظة ذات أهمية دبلوماسية عميقة ورابطة ثقافية دائمة بين المملكة المتحدة والبحرين.
وقد استقبلها بحفاوة المغفور له بإذن الله الأمير الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، ورافقها خلال زيارتها آنذاك ولي العهد الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، الذي يعتلي العرش اليوم بصفته جلالة الملك حمد. أصبحت زيارتها هذه رمزًا عميقًا للاحترام المتبادل، والأواصر الملكية، والتقدير الثقافي. وقد صُمم برنامج زيارتها بعناية ليجمع بين الدبلوماسية الرسمية والتجارب المحلية الأصيلة، مما ترك أثرًا دائمًا في قلب مملكة البحرين وبريطانيا العظمى.
ومن أبرز محطات زيارتها كانت رحلتها إلى مدينة العوالي (Awali)، التي ترتبط تاريخيًا بصناعة النفط في البحرين وتُعد موطنًا لمجتمع متنوع من العمال المحليين والأجانب. زارت الملكة (Queen Elizabeth II) مكتبة العوالي (Awali) التي تأسست عام 1934، مما يجعلها أقدم مكتبة عامة في البحرين. وقد أضفى حضورها على هذه المكتبة أهمية تاريخية متجددة، مؤكدًا على دورها كمكان للمعرفة والتعلم والتقارب الثقافي.
وقد عكست تقدير الملكة (Queen Elizabeth II) لمثل هذه المؤسسات فهمها العميق لأهمية البنية التحتية المجتمعية. واليوم، خضعت مكتبة العوالي (Awali) لعملية ترميم دقيقة، ويُكرَّم إرثها أيضًا بإنشاء منتزه الأميرة سبيكة القريب، الذي سُمّي على اسم صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. ويعكس هذا التوسع العصري التزام العائلة المالكة الدائم بالحفاظ على المعالم الثقافية والتاريخية وتعزيزها.
ومن الجدير بالذكر أن التراث الأدبي البحريني يتمثل كذلك في مكتبة الخليفية، التي تأسست عام 1954 في قلب مدينة المحرق القديمة. وعلى الرغم من أنها أحدث من مكتبة العوالي (Awali)، فقد لعبت مكتبة الخليفية دورًا محوريًا في التاريخ الفكري للبحرين، وهي جزء من جهود الدولة لتعزيز وصول العامة إلى المعرفة.
وخلال زيارتها الرسمية، جابت الملكة إليزابيث الثانية (Queen Elizabeth II) معارض الحِرَف التقليدية في منتزه البديع، وزارت المتحف الوطني في المحرق، كما حضرت فعالية لسباق الخيل، مما يعكس الاهتمامات الملكية المشتركة والاحترام العميق لثقافة البحرين. وقد مثّل حفل العشاء الرسمي في قصر القضيبية وحفل العشاء الرسمي الثاني على متن اليخت الملكي بريتانيا أعلى درجات الحفاوة الدبلوماسية والأصول الملكية.
كانت زيارة الملكة إليزابيث الثانية (Queen Elizabeth II) للبحرين أكثر من مجرد رمز؛ كانت شخصية، صادقة، ومؤثرة. فقد أضاف تفاعلها مع تراث البحرين وشعبها ومؤسساتها قيمة تاريخية لمواقع مثل مكتبة العوالي (Awali)، وأسهم في إرث من الصداقة لا يزال حيًا حتى اليوم.
ومع استمرار البحرين في الحفاظ على كنوزها الثقافية والسير نحو التحديث، تظل زيارة الملكة (Queen Elizabeth II) فخرًا في ذاكرة الوطن، وتذكرنا بأن الدبلوماسية لا تسكن فقط في القصور والبرلمانات، بل في المكتبات والمنتزهات، وفي الأماكن التي تتقاطع فيها حياة الناس — حيث يمكن لحضور ملكة أن يحوّل مؤسسة محلية إلى رمز وطني للارتباط الدائم.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |