العدد 6104
الثلاثاء 01 يوليو 2025
banner
كيف قدّمت السعودية والبحرين والكويت نفسها للعالم باللغة الإنجليزية
الأربعاء 14 مايو 2025

مع البدايات الأولى لانفتاح الخليج على السياحة، برزت ثلاثة كتب إرشادية مبكرة صادرة من السعودية والبحرين والكويت، كُتبت جميعها باللغة الإنجليزية، وهو ما يمنحها أهمية استثنائية في سياقها التاريخي. فقد كانت هذه الأعمال موجّهة مباشرة إلى الزائر الأجنبي، لتكون بوابات تعريفية بثقافة المنطقة، ووسائل تواصل فعالة بين الخليج والعالم الناطق بالإنجليزية. لم تكن هذه الكتب مجرد دلائل للمواقع والمعالم، بل وثائق ثقافية تنقل تفاصيل حياة مجتمعات تمر بتحولات جذرية، وتعكس ملامح الهوية المحلية في لحظة انتقال نحو الحداثة والانفتاح.

حملت هذه الإصدارات بين صفحاتها مزيجًا غنيًا من الإرشادات العملية، والقصص الشعبية، والمشاهد اليومية، مقدمة صورة حية عن الخليج من الداخل، كما رآه ودوّنه كتّاب مطّلعون عاشوا في قلب هذه المجتمعات. في هذا المقال، نعيد قراءة هذه المؤلفات النادرة، ونستكشف دورها الرائد في تأسيس الكتابة السياحية الخليجية، وفي بناء جسور مبكرة للتبادل الثقافي مع العالم.

أول دليل سياحي للزوار الأجانب في السعودية: كتاب "مذكرة سعودية" لجيرالد دي غوري (1943)


في تطور الأدب السياحي في دول مجلس التعاون الخليجي، يبرز كتاب نادر باعتباره من أوائل الأعمال الرائدة: "مذكرة سعودية" لجيرالد دي غوري، والذي نُشر لأول مرة في القاهرة عام 1943. وعلى الرغم من صغر حجمه، إلا أن هذا الكتاب غني ثقافيًا، ويُعتبر أول دليل كُتب خصيصًا للزوار الأجانب إلى السعودية.

في وقت كانت المملكة فيه مغلقة نسبيًا أمام الغرباء، استطاع دي غوري – وهو دبلوماسي وجندي ومستعرب بريطاني بارع – أن يوثق بمنتهى الحساسية المناظر الطبيعية والتقاليد والأنظمة الاجتماعية في السعودية خلال عهد الملك عبد العزيز (ابن سعود). وقد أتاح له قربه الشخصي من الحكام العرب، وخاصة السعوديين، توثيق تجارب لم يسبق لأوروبي أن قدمها للجمهور بهذا العمق.

يحتوي الكتاب على 39 صورة التقطها دي غوري بنفسه، ونحو 50 صفحة من النصوص. ويجمع بين الملاحظات العملية للزوار الأجانب، ومقدمة ثقافية عميقة تعرف القارئ الغربي بروح المملكة. حتى تصميم الغلاف، الذي يحتوي على رسم لكوكبة الثريا، يعكس احترام دي غوري العميق للرمزية الثقافية العربية. في الصفحات الأولى، نقل بعناية قصيدة للشاعر النجدي راشد الخلاوي من القرن الثامن عشر، تربط بين حياة البادية ودورات النجوم والفصول.

الأهم من ذلك أن الكتاب نُشر في فترة كانت فيها التصوير الفوتوغرافي محظورًا تقريبًا في المملكة، وقد حصل دي غوري على إذن خاص من الملك عبد العزيز لالتقاط الصور. في مقدمته، يذكر بتواضع أن ملاحظاته "ليست شاملة"، لكنه يأمل أن تكون "ذات فائدة للمسافرين الآخرين"، ما يعكس رغبته الصادقة في تعزيز الفهم الثقافي.

السياق التاريخي والسياسي
لم يكن ارتباط دي غوري بالسعودية نابعًا من الاستكشاف فقط، بل من فهم عميق للتحولات السياسية. ففي خطاب له أمام الجمعية الملكية لآسيا الوسطى في أكتوبر 1943، تحدث عن تأثير الاتصالات العالمية واكتشاف النفط واستقرار المملكة في عهد الملك عبد العزيز. كما أشاد بانتشار النظام والقانون، مشيرًا إلى أنه "يقال إن كيس قهوة تسقطه قافلة سيبقى في مكانه حتى تعود القافلة، ولو بعد شهور".

كان دي غوري مطّلعًا أيضًا على المشاريع الاقتصادية المستقبلية للمملكة، مثل الري في الخرج وثروات البحر الأحمر والخليج غير المستغلة. خدم دي غوري بصفته دبلوماسيًا بريطانيًا في الكويت بين 1936 و1939، ورافق الأمير فيصل (الملك لاحقًا) في بعثته إلى بريطانيا عام 1943. كما انضم إلى الملك في رحلات صيد، وهي تجارب انعكست على كتاباته الأصيلة والحساسة.

إسهام في أدب السياحة
يُعد كتاب "مذكرة سعودية" حجر أساس في أدب السياحة المبكر عن الخليج. قبله، كانت الأعمال الأوروبية عن الجزيرة العربية تركز على الجوانب العسكرية أو الدينية أو التجارية، مثل "دليل البحرية البريطانية عن الجزيرة العربية" (1917). لكن عمل دي غوري كان مختلفًا: شخصي، وثقافي، وموجه للمسافرين، وليس للمسؤولين الإمبراطوريين.

وبذلك، مثّل انتقالًا من أدب الاستكشاف الإمبراطوري إلى أدب السياحة الثقافية. تظهر إعجابه بالشعب والتقاليد بوضوح، مقدمًا صورة محترمة ومتعمقة عن المملكة في زمن قلّ فيه إطلاع الغربيين على العالم العربي.

واليوم، ومع انفتاح السعودية على السياحة من خلال رؤية 2030، يبقى كتاب دي غوري وثيقة نادرة تربط بين ماضٍ مغلق ومستقبل منفتح.

نبذة مختصرة: جيرالد دي غوري
جيرالد دي غوري (1897–1984) كان مستعربًا وجنديًا ودبلوماسيًا ومؤرخًا ومستكشفًا بريطانيًا، عاش آخر عقدين من حياته في 18 ساسكس سكوير، برايتون، إنجلترا. كان منزله ملتقى للثقافة، وواصل فيه الكتابة والتصوير والرسم حتى وفاته، وترك إرثًا كبيرًا في مجال التبادل الثقافي والكتابة التاريخية عن الخليج.

Gerald de Gaury

أهلاً بكم في البحرين (1953–1957): أقدم دليل سياحي بحريني وأثره الباقي

في سجلات الأدب السياحي في الخليج، يُعد كتاب  "أهلاً بكم في البحرين: دليل مصور كامل للسياح والمسافرين" لجيمس حامد دكر بيلغريف،

(Welcome to Bahrain: A Complete Illustrated Guide for Tourists and Travellers)

(James Hamed Dacre Belgrave) علامة فارقة. نُشر لأول مرة عام 1953، وقدم رؤية شاملة عن ثقافة البحرين وتاريخها وحياتها اليومية في وقت كانت فيه المملكة تمر بتحولات جوهرية.

الطبعة الثالثة، التي صدرت في سبتمبر 1957، تضمنت 132 صفحة، و3 خرائط (بينها خرائط قابلة للطي)، و24 صورة، و37 صفحة من الإعلانات التجارية، ما أعطى صورة واقعية عن البحرين آنذاك.

يغوص الكتاب في تراث دلمون، والمواقع الأثرية، وصناعة النفط المتنامية، والتطورات الحديثة. واحتوى على قصائد شعبية وخرائط دقيقة، مما يدل على فهم عميق لهوية البحرين.

جيمس بيلغريف (1929–1979)، كاتب هذا الدليل، وُلد ونشأ في البحرين، وكان ابن السير تشارلز بيلغريف، المستشار البريطاني لحكام البحرين لأكثر من 30 عامًا. نشأ في أوساط الحكم وتشرّب الثقافة والعادات البحرينية، وهو ما تجلّى في كتابه.

لم يكتف بيلغريف بإرشاد الزوار، بل قدّم لهم البحرين من خلال الشعر، والغوص على اللؤلؤ، والمشاريع الحديثة، في جهد كان من أوائل محاولات تعريف العالم بالخليج من منظور ثقافي وإنساني، بعيدًا عن السياسة والاقتصاد فقط.

جيمس حامد داكر بيلغريف (James Hamed Dacre Belgrave) توفي عام 1979، بينما كان والده السير تشارلز دالريمبل بيلغريف (Charles Dalrymple Belgrave) قد توفي عام 1969. حتى الآن، لا تتوفر معلومات موثقة أو منشورة على نطاق واسع حول مكان وفاة جيمس حامد داكر بيلغريف (James Hamed Dacre Belgrave) أو مكان دفنه في المصادر العامة أو الأرشيفات الرقمية المتاحة. وعلى عكس والده، السير تشارلز بيلغريف، الذي حظي بتوثيق واسع نظرًا لدوره كمستشار لحاكم البحرين، فإن تفاصيل الحياة الخاصة لجيمس—including مكان الوفاة والدفن—ظلت أقل ظهورًا في المصادر التاريخية.

بخصوص لغز اسم المؤلف "Hamed Dacre" يجمع بين طابعين مختلفين: "Hamed"  هو اسم عربي شائع، ويعني "الحامد" أو "الشاكر"، وهو من الأسماء المنتشرة في العالم العربي والإسلامي. "Dacre" هو اسم إنجليزي قديم، ويُستخدم عادة كلقب عائلة أو اسم وسطي، وله جذور في اللغة الإنجليزية النورمانية. ولكن انتقاء والده اسم داكر ليتبع حامد يمكن قراءة اسمه جيمس حامد ذاكر

في حالة James Hamed Dacre Belgrave، من الواضح أن الاسم "Hamed" أُضيف تكريمًا للعلاقة العائلية أو الشخصية بالثقافة العربية الاسلامية، وبالأخص بالعائلة الحاكمة في البحرين، حيث كان والده، السير تشارلز بيلغريف، المستشار الخاص لحاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة.

اليوم، يُعد هذا الدليل من القطع النادرة والمحبوبة لدى المؤرخين والمهتمين بالعلاقات الثقافية المبكرة بين الخليج والعالم.

دليل الكويت السياحي عام 1964: إرث ريادي في تاريخ السياحة الخليجية

في بداية تاريخ السياحة في الخليج، تبرز الكويت كرائدة. ففي عام 1964، أصدرت الكويت أول دليل سياحي رسمي بعنوان "دليل الكويت السياحي – 1964"، من إعداد وزارة الإرشاد والمعلومات. كانت هذه خطوة ثقافية مهمة، دعت فيها الكويت العالم لاكتشاف هويتها.

تميز الدليل بوجود ثلاث خرائط قابلة للطي، وهو أمر نادر في تلك الفترة. هذه الخرائط عرضت معالم الكويت الثقافية والتجارية والبنية التحتية الحديثة. وبسعر 500 فلس فقط، عكس الدليل انفتاح الكويت وحماسها لاستقبال الزوار.

عرض الدليل مزيجًا من الحياة التقليدية والمعاصرة: من الأسواق القديمة إلى الفنادق الحديثة، ومن الموانئ إلى المتاحف. وقدّم تجربة متكاملة تعكس تطور الكويت وهويتها.

يُعد هذا الدليل اليوم وثيقة تاريخية تثبت أن الكويت كانت من أوائل الدول الخليجية التي رأت في السياحة فرصة للتبادل الثقافي، وليس فقط الاقتصادي.


*المصدر: كتاب الارشاد السياحي الخليجي تأليف د. محمد الزكري منشورات الدارة الألمانية 2025

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .