ماذا لو عاد طَرَفَةُ بن العبد، الشاعر الجاهلي الشهير، عبر الزمن إلى وطنه في البحرين؟ كيف سيتجول في الأسواق؟ ومن سيقابل من الشعراء المعاصرين؟ كيف سيتفاعل مع المشهد الأدبي الحديث؟ والأهم، كيف يمكن لإرثه الشعري أن يعزز السياحة الثقافية ويُحيي التاريخ الحي من خلال إعادة تمثيل الأحداث التاريخية (Historical reenactment)؟
ولد طرفة بن العبد في قرية المالكية بجزيرة البحرين، وكان أحد أعظم شعراء المعلقات الذين خلدوا في ذاكرة الأدب العربي. اشتهر بأسلوبه الجريء، وصوره الشعرية البديعة، وروحه الساخرة التي واجه بها قسوة الحياة في عصره. والآن، ماذا لو عاد خلال شهر رمضان، كيف سيجد نفسه في عالم مختلف تمامًا؟ كان سيرى أن البحرين لم تفقد هويتها الثقافية، بل أصبحت مركزًا مزدهرًا يجمع بين الحداثة والتقاليد، نعم هذا ليس حلم بل انه طقس يمارس في عدة دول عبر مسرح التاريخ الحي أن يُعاد إحياء الشخصيات التاريخية بإعطاء الدور الى نخبة من الممثلين والسير في الطرقات ليخوض محبي فن احياء التاريخ تجربة تفاعلية مع أبطالهم التاريخين.
ماذل لوسار طرفة بن العبد في سوق المنامة، ماذا كان سيلاحظ طرفة؟ من المؤكد أنه سيلاحظ كيف تحولت الأسواق القديمة إلى وجهات حديثة تضم المحلات التجارية والمقاهي والمكتبات. قد يتوقف عند متجر للكتب، حيث يرى معلقات الشعر الجاهلي معروضة بجانب دواوين الشعر الحديث. يسأل البائع متعجبًا:
"أما زال الشعر يُلقى في الأسواق؟ أين ساحات التنافس التي كانت تشعل الحماس؟"
يشير البائع إلى مقهى ثقافي، حيث تُعقد أمسيات شعرية تجمع بين الشعر الفصيح والشعر النبطي، وهو ما يعكس التاريخ الحي في البحرين، حيث لا يزال الشعر جزءًا أصيلًا من الهوية الثقافية للجزيرة.
هذه التجربة ليست مجرد لقاء شعري، بل يمكن أن تتحول إلى فرصة لإطلاق فعاليات إعادة تمثيل تاريخية تُعيد إحياء الحياة الأدبية في البحرين، مما يعزز السياحة التراثية ويجذب الزوار المهتمين بالثقافة العربية القديمة.
إحياء روح الشعر العربي: لقاء بين الماضي والحاضر: واحدة من أبرز محطات رحلة طرفة ستكون مشاركته في مجلس شعري تاريخي (Academic reception) يضم أصحاب المعلقات مثل امرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وعنترة بن شداد، إلى جانب شعراء البحرين المعاصرين. في هذا اللقاء، تتداخل القصائد الجاهلية مع الشعر الحديث، ويُطرح النقاش حول تطور الشعر العربي. يستمع طرفة إلى قصائد التفعيلة، والشعر الحر، لكنه يتساءل:
"أين الصور الشعرية العظيمة؟
أين التشبيهات العميقة التي تروي تفاصيل الصحراء والخيل والمعارك؟"
يرد عليه شاعر بحريني قائلاً:
"الشعر لا يموت، لكنه يتطور ليواكب الزمن.
كما بقيت المعلقات حية، تبقى كل قصيدة أصيلة نابضة بالحياة."
مثل هذه المجالس لا تقتصر على الشعراء فقط، بل يمكن أن تصبح جزءًا من إحياء التراث الثقافي في البحرين، حيث يتم تنظيم فعاليات شعرية تفاعلية تعيد إحياء تقاليد المسابقات الشعرية التي كانت تعقد في الأسواق الجاهلية.
السياحة والتراث: كيف يمكن لطرفة أن يُلهم إحياء الثقافة البحرينية؟
1. مهرجانات إعادة تمثيل تاريخية (Historical Reenactment Festivals)
يمكن للبحرين أن تطلق مهرجانات تعيد إحياء تقاليد الشعر العربي، حيث يتم تجسيد شخصيات مثل طرفة بن العبد في عروض تمثيلية تحاكي العصر الجاهلي، ويمكن تنظيم هذه الفعاليات في:
• سوق المنامة: لإحياء دور الأسواق في استضافة المسابقات الشعرية.
• قلعة البحرين: كموقع تاريخي يُستخدم كخلفية لإلقاء الشعر والسجالات الأدبية.
• مركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث: ليكون مقرًا للندوات والمحاضرات حول تطور الشعر العربي.
2. دعم الإعلام والوسائط الرقمية (Media Support & Digital Storytelling)
مع دعم الإعلام، يمكن تقديم تجربة شعرية رقمية مستوحاة من إرث طرفة، عبر:
• تجارب الواقع الافتراضي التي تتيح للزوار "السفر عبر الزمن" إلى العصر الجاهلي.
• برامج وثائقية على يوتيوب تعرض قصص الشعراء العرب بأسلوب حديث.
• بودكاست أدبي يعيد سرد الحكايات القديمة بصوت معاصر.
3. إعادة تمثيل التراث في الأسواق والمتاحف (Commercial Reenactment & Tourism Integration)
لجذب المزيد من الزوار، يمكن دمج عناصر من إعادة تمثيل التاريخ في المجالات التجارية والسياحية، مثل:
• مقاهٍ ثقافية مستوحاة من العصر الجاهلي، تقدم جلسات شعرية مباشرة.
• منتجات تراثية مستوحاة من المعلقات، مثل لوحات فنية تضم أبيات شعرية أو أزياء تقليدية مستوحاة من الزي الجاهلي.
• مسارات سياحية أدبية تأخذ الزوار في جولات تاريخية إلى المواقع المرتبطة بالشعر الجاهلي.
ليلة رمضانية في مجلس الشعر: مع اقتراب نهاية رحلته، يجد طرفة نفسه في مجلس ثقافي على طريق اللؤلؤ في المحرق، وهو موقع تراثي مدرج ضمن قائمة اليونسكو. في أجواء هادئة، حيث تتداخل أنغام العود مع أضواء الفوانيس، يبدأ طرفة بإلقاء أبياته الخالدة:
"لخولة أطلالٌ ببرقة ثهمدِ...
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ..."
يرد عليه شاعر بحريني بقصيدة حديثة، ويستمر الحوار بين الأزمنة. يبتسم طرفة قائلاً:
"لقد تغير الزمن، لكن الشعر باقٍ... طالما هناك من يطرب للكلمة الجميلة."
إن إحياء التراث الشعري لطرفة بن العبد لا يقتصر على الأدب فقط، بل يمكن أن يكون جزءًا من السياحة الثقافية في البحرين. من خلال إعادة تمثيل التاريخ، ودعم الإعلام، ودمج العناصر التراثية في السياحة والتجارة، يمكن للبحرين أن تعيد إحياء ماضيها الأدبي بطريقة تفاعلية تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم.
* أخصائي تراث وسياحة
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |