ظلت الصين على الدوام تُبهر العالم بإنجازاتها في الكثير من الجوانب المهمة في الحياة، مثلا النمو الاقتصادي المتنامي والمتسارع والتطور التقني المذهل خاصة في الأجهزة الكهربائية والهواتف الذكية، والصناعات الثقيلة وأهمها المركبات بأنواعها المختلفة التي غزت أسواق قارات العالم الخمس إلخ.
لكن النموذج الصيني في تربية الأطفال صغار السن هذا عالم آخر وكبير جدا، نُصاب بالدهشة بل الصدمة عندما نقف على حقائقه، الآن بحوزتي مقطع مصور قصير تم تصويره في إحدى حضانات الأطفال في الصين من الفئة العمرية من سنة إلى 6 سنوات، رأيت فيه شيئا غير مألوف بالنسبة لي، أطفال في هذه المرحلة يتعلمون تفصيل وخياطة الملابس، ويبدعون في الصناعات اليدوية، ومهن كثيرة يتعلمونها، ومن خلالها يتلمسون الطريق نحو الاعتماد على الذات في المستقبل، حتى لا يكونوا عالة على المجتمع أو على آخرين، بل يكونوا عماد التطور والازدهار ما يعني أن ما حققته الصين حاليا من تقدم مشهود في كافة المجالات اعتمدت فيه على التربية الصحيحة للأطفال في هذه المرحلة المبكرة من العمر.!.
وفي هذا السياق تؤكد أدبيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) بأن الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل أهم مرحلة، وتوضح أكثر وتقول "في الأيام الـ 1,000 الأولى من حياة الطفل، يتطور مخه بشكل هائل، حيث تتشكل روابط جديدة بين الخلايا العصبية في المخ بمعدل يصل إلى مليون رابطة جديدة في كل ثانية – وهو معدل لا يتكرر في أي مرحلة عمرية بعد ذلك، وتشير في ذلك الوقت إلى أن الأيام الألف الأولى من حياة الطفل تشكّل مستقبله، ولدينا فرصة واحدة للقيام بذلك على نحو سليم".
بالرجوع إلى واقعنا العربي والخليجي نجد أنفسنا في وضع مأساوي حقيقة، خاصة وأننا نطلع إلى المستقبل ونرسم في خططنا التنموية ملامح التقدم ولدينا خطة (2050) سيتم الإعلان عنها قريبا،، لذلك وبالنظر إلى التجربة الصينية فإننا لابد وأن نراجع حساباتنا خاصة وأن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومن خلال خبرائها وعلمائها قد وجهت إلى الطريقة الصحيحة لرسم المستقبل بالعمل على خطط عملية تبدأ من (الألف يوم) الأولى من عمر الأطفال إذا أردنا مستقبل مشرق يحقق لنا معدلات نمو عالية ويرتقي بنا إلى مصاف دول العالم المتقدم.
البعض ربما يقول أن الدولة وحدها هي المسؤولية عن صناعة المستقبل، لكن الحقيقة غير ذلك الأسرة هي المعنية في المقام الأولى وهي صاحبة القرار من خلال الطريقة التي تختارها في تربية أطفالها في هذا العمر من حياة أطفالهم، مع التشجيع والتحفيز والعمل على إخراجهم من حالة الدعة والاستكانة إلى حالة العمل وبذل الجهد منذ الطفولة، ومن ثم يأتي دور الدولة التي بدورها تهيئ الامكانيات وتنفذ الخطط وتضع الأمور في نصابها الصحيح على نسق التجربة الصينية الناجحة والمتفردة الماثلة أمامنا الآن.
إن تربية الأطفال من أهم مسؤوليات الأسرة، والوالدين على وجه الخصوص فهم الذين أنجبوهم وبالتالي عليهم تحمُل هذه المسؤولية، إذا ليس لديهم الرغبة في القيام بهذا الأمر عليهم التوقف فورا عن الإنجاب حتى لا يتسببوا في كوارث للمجتمع بكامله.
هذا الموضوع من مدونات القراء |
---|
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected] |