العدد 5674
السبت 27 أبريل 2024
banner
د. مأمون ابو رعد
د. مأمون ابو رعد
تأثير التقارب الاستراتيجي بين روسيا والصين على هيكل النظام الدولي
الأحد 17 مارس 2024

التعاون الاستراتيجي بين روسيا والصين كان مدفوعا بشعور التهديد الخارجي من الولايات المتحدة. فكل من روسيا والصين يواجهان تهديداً مشتركاً من الولايات المتحدة التي تسعى إلى تطبيق استراتيجية احتواء مزدوج ضد روسيا من ناحية من خلال توسيع حلف الناتو ومحاولة ضم دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى هذا الحلف، وضد الصين من ناحية أخرى من خلال تقويض نفوذ الصين في منطقتي الهندي والهادئ. لذا لجأت روسيا والصين إلى التقارب الاستراتيجي لموازنة ومواجهة مصادر وصور هذا التهديد من جانب الولايات المتحدة. ووجدت كل من الصين وروسيا أن التقارب بينهما يصب في مصلحتهما، حيث أنه يوجد مصالح مشتركة بينهما مثل التعاون في مجال الطاقة والتعاون العسكري والمصالح الاقتصادية. لذا، لجأت الدولتان إلى التقارب الاستراتيجي لتحقيق مصالحهما، وموازنة الولايات المتحدة اقتصادياً وعسكرياً.


كما أن وجود تنافس بين روسيا والصين حول بعض القضايا لا يمنع وجود علاقات تعاونية واعتماد متبادل بينهما، بل قد تدفع هذه المجالات التعاونية والمنفعة المشتركة إلى التقليل من حدة التنافس حول القضايا الخلافية بينهما. كما يمكن تفسير التقارب الروسي الصيني على أساس هوياتهم الوطنية المتقاربة المستمدة من الموروثات الشيوعية المشتركة بينهما.


    في ضوء المصالح والتهديدات المشتركة. كان هناك تقارب روسي صيني نتيجة للمصالح المشتركة، كما كان هناك أيضا تقارب وتعاون بين الدولتين نتيجة للتهديدات المشتركة. وبرغم هذا التقارب كان يوجد تحديات تعرقل هذا التعاون مثل التنافس الروسي الصيني في آسيا الوسطى، ومبادرة الحزام والطريق، والدعم العسكري الروسي للهند، والموقف الصيني المحايد من الأزمة الأوكرانية.


وقد اقتربت كل من روسيا والصين من إحداث توازن اقتصادي وسياسي وعسكري مع الولايات المتحدة، لكن توجد عراقيل تحول دون ترجيح كفة التوازن لصالح روسيا والصين. فمن الناحية الاقتصادية، فبرغم التقدم الهائل للاقتصاد الصيني، والموارد الاقتصادية الكبيرة لروسيا، إلا أنهما لم يستطيعا إلى الآن خلق عملة دولية منافسة للدولار، فضلا عن أن العقوبات الاقتصادية المفروضة من قبل الغرب ضدهم تؤدى إلى عرقلة هذا التقدم الاقتصادي. من الناحية العسكرية، تأتى الولايات المتحدة في المرتبة الأولى عسكريًا، يليها روسيا ثم الصين. وما زال الإنفاق العسكري الأمريكي يفوق روسيا والصين، إلا أن روسيا والصين يسعيان إلى التفوق على الولايات المتحدة عسكريا من خلال تقاربهما الاستراتيجي، فضلا عن أن روسيا تتفوق على الولايات المتحدة نووياً. لكن، برغم هذا التقارب الاستراتيجي بين روسيا والصين، إلا أنه لم يصل إلى درجة التحالف العسكري الذي يمكنهما من أن يتعاونا عسكرياً في حالة نشوب حرب مع الولايات المتحدة، ومما يدلل على ذلك موقف الصين الحيادي تجاه الأزمة الأوكرانية (2014 و 2022)، حيث اتخذت الصين موقفا محايداً من الأزمة. فالاقتصاد الصيني مرتبط ارتباطاً شديداً بالغرب لأن انفتاح الصين على واشنطن وحلفائها هو الذي أدى إلى نموها الاقتصادي الهائل. من الناحية السياسية، تتشارك كل من روسيا والصين في كثير من القضايا والمصالح والرؤى، كما انهما عضوين دائمين في مجلس الأمن، ولهما حق النقض على أي قرار لا يصب في مصلحتهما، مما يؤدى إلى حدوث توازن سياسي بين روسيا والصين من جانب، وبين الولايات المتحدة من جانب آخر. لكن، تواجه الدولتين تحديات ضخمة قد تؤدى إلى تزايد الخلافات بينهما.

وتأسيسا على ذلك، من المحتمل ألا يؤدى التقارب الروسي الصيني إلى تغير هيكل النظام الدولي بسبب هذه المعوقات والتحديات. وبناءً عليه، يبقي التقارب الصيني الروسي ظرفيًا ومرحليًا. فهو ظرفي لأنه وليد تصاعد الأزمة الأوكرانية، ووليد تصاعد العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا والصين، والإصرار الأمريكي على استعداء البلدين. وهو مرحلي لأنه مُرتهن بحدوث انفراجه في علاقات إحداهما أو كلاهما مع الغرب. ويبدو أن مناهضة واشنطن لا تكفي وحدها لترسيخ دعائم تحالف استراتيجي ممتد بين روسيا والصين.

وبناءً عليه من الممكن استخلاص النتائج الآتية:
أولاً، جاء التقارب الاستراتيجي بين روسيا والصين نتيجة للمصالح المشتركة بينهما، وكذلك التهديدات المشتركة التي يواجهونها.

ثانياً، يوجد احتمالية عدم حدوث تغيير في هيكل النظام الدولي؛ فمراحل التغيير في النظام الدولي تأتى عقب أزمات كبرى، وليس التقارب بين دولتين هو ما يحدث هذا التغيير.

ثالثًا، أظهر الغزو الروسي لأوكرانيا (2022) عودة الاعتبارات الجيوسياسية والجيواستراتيجية من جديد؛ وتفوقها على الاعتبارات الجيواقتصادية.

فبرغم تعدد المصالح الاقتصادية بين روسيا والغرب، إلا أنها قامت بغزو أوكرانيا لاعتبارات استراتيجية وسياسية. كما أظهر قدرة روسيا على تحدى الولايات المتحدة.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية