العدد 5635
الثلاثاء 19 مارس 2024
banner
محمد جاسم الذوادي
محمد جاسم الذوادي
القتل بين الإعدام والغرامة
الخميس 12 يناير 2023

مما لا شك فيه ان جريمة القتل من ابشع الجرائم على وجه الخليقة، التي يندى لها الجبين وينفر منها المجتمع، ويرى غالب أفراد المجتمع بضرورة تغليظ عقوبة مرتكبها لكونها تمس بأغلى شيء ما في الوجود وهو الروح التي لا يمكن ان تعوض بثمن.

ونظراً لقدسية هذه الروح وتأثيرها على المجتمع شدد الدين الاسلامي الحنيف وكافة الديانات السماوية بحرمة المساس بها او الاعتداء عليها دون وجه حق، فقد ورد في كتابه الحكيم: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)

ولذا اهتمت غالب دساتير العالم بقدسية الإنسان وحرمة المساس بجسده وروحه، ونظراً لكون الدستور هو رأس الهرم التشريعي فيجب على جميع الأنظمة والقوانين في الدولة ان تنطوي تحت لواءه ولا تخالف نصوصه وأحكامه، وقد اهتم الدستور البحريني على وجه الخصوص بحقوق الإنسان وحرم الإعداء عليه بأي شكل من الأشكال.

الا انه قد يحدث اللبس لدى البعض بين عدة جرائم تمس الروح، ومنها جريمة القتل وجريمة الضرب المفضي إلى الموت وجريمة القتل الخطأ، فالنتيجة في كل هذه الجرائم واحدة، وهي ازهاق الروح بغير وجه حق، الا انه شتان بين عقوبة كل واحدة من هذه الجرائم، فتكون العقوبة في احداها مشددة مغلظة وتصل الى الإعدام، وقد تكون العقوبة في اخراها مخففة تتراوح ما بين السجن او الحبس او حتى الغرامة. 

وينبغي ان يعي المجتمع ان السبب وراء ذلك راجع لأمر مهم ومؤثر في مسار ومجريات الجريمة، ألا وهو القصد الجنائي الذي يلعب دوراً أساسياً في نسبة تغليظ العقوبة، ويقصد به اتجاه إرادة الجنائي لارتكاب الجريمة بقصد احداث الأثر المترتب عليه.

وقد عالج المشرع البحريني هذه المسألة في العديد من نصوص واحكام قانون العقوبات، فقد عاقب على جريمة القتل بعقوبة السجن المؤبد او المؤقت، وشدد العقوبة لتصل إلى الإعدام اذا اقترنت بظروف اخرى كالاصرار والترصد او ارتبطت بجريمة اخرى او وقعت بين الأصول او على موظف عام او باستخدام مواد سامة او مفرقعات، كما جاء في نص المادة ٣٣٣ من قانون العقوبات.

كما ان المشرع البحريني عاقب على جريمة الاعتداء  المفضي الى الموت بالسجن لمدة سبع سنوات طالما صدر الاعتداء بأي وسيلة افضت الى قتل المجني عليه دون ان يقصد الجاني ذلك، كما جاء في نص المادة ٣٣٦ من ذات القانون.

هذا وقد نص المشرع على عقاب الجاني بالحبس او الغرامة متى تسبب بخطئه في موت المجني عليه، وجعل العقوبة الحبس فقط متى وقعت الجريمة بسبب إخلال الجاني بأي من واجباته المفروضة عليه قانوناً، كما جاء في نص المادة ٣٤٢ من ذات القانون. 

وبالتالي ومن جميع ما سبق، لا بد ان يدرك الجميع ان لكل جريمة ظروفها وملابساتها الخاصة، والنيابة العامة هي المختصة باجراءات التحقيق في الجرائم وإحالة المتهمين إلى المحاكمة الجنائية أمام المحكمة المختصة بعد تكييف الواقعة وفق مواد القيد والوصف التي تظهر لها من مجريات التحقيق في القضية، والمحكمة التي تحال اليها القضية هي المختصة بإصدار حكمها بعد الاطلاع على الاوراق والأدلة والاستماع الى اقوال المتهم ودفاعه. 

ويجب ان لا يغيب عن الجميع المبدأ الدستوري الهام في المحاكمات الجنائية، والذي نص صراحة على ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون، كما جاء في نص المادة ٢٠ من دستور مملكة البحرين، بما يعني ان المتهم يبقى في نظر القانون بريئاً حتى يصدر في حقه حكماً بإلادانة.

هذا الموضوع من مدونات القراء
ترحب "البلاد" بمساهماتكم البناءة، بما في ذلك المقالات والتقارير وغيرها من المواد الصحفية للمشاركة تواصل معنا على: [email protected]
صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .