+A
A-

كيف رد المصريون على محاولة اغتيال محفوظ؟

حين شارفت تسعينات القرن الماضي على الانتصاف، كانت محاولات الجماعات التكفيرية في مصر لوضع المجتمع تحت حصار الإرهاب، تنهار؛ إذ تواصل سقوط رموزها تحت طائلة القانون، إضافة لرفض المجتمع لها، ما أصابها بالجنون. وفي ظل محاولات يائسة أخيرة، جاء يوم من أكثر الأيام سوادًا في تاريخ الأدب العربي 14 أكتوبر 1994.

نجيب محفوظ أول أديب عربي يتوج بجائزة نوبل في الأدب، كان يقف أمام منزله في ضاحية العجوزة، غرب القاهرة، استعدادًا لركوب سيارة صديقه فتحي هاشم ليتوجها إلى اجتماع “الحرافيش” الأسبوعي. يد غادرة تمتد إلى الرقبة التي تحمل الرأس الاستثنائية، التي رسخت الهوية المصرية بمشروعها الأدبي الكبير.

كان محفوظ قد خرج لركوب السيارة، واستدار فتحي هاشم ليتولى القيادة، قبل أن يسمع صرخة عالية من محفوظ. وتمثلت عناية الله في أن تكون هذه الواقعة قرب مستشفى الشرطة، حيث تم إسعاف محفوظ، وإنقاذ حياته، إلا أن الحادث ترك أثره عليه لسنوات بعدها.

تاريخ الواقعة جاء مقصودًا، فذلك اليوم كان الذكرى السادسة لحصول محفوظ على نوبل، وهو ما ظنَّ التكفيريون أنه كان مكافأة للكاتب الكبير على رواية “أولاد حارتنا” التي كفروه بسببها مرارًا وتكرارًا. ورغم أن الأكاديمية السويدية قالت في حيثيات فوز محفوظ بنوبل “إنه في روايته غير العادية “أولاد حارتنا” التي كتبها العام 1959 تناول بحث الإنسان الدؤوب عن القيم الروحية، وإنها تتضمن أنماطًا مختلفة من الأنظمة تواجه توترًا في وصف صراع الخير والشر”، إلا أن ذلك العمل الأدبي لم يكن السبب المركزي في حصد محفوظ لنوبل.

كما أن “أولاد حارتنا”، ليست السبب المركزي في محاولة الإرهاب اغتياله، فقد كان منهج محفوظ ضربة قاصمة تنزل على رأس التطرف والجهل. ورغم أن محفوظ سأل متعجبا قاضي التحقيقات في الواقعة، عن سبب الاعتداء عليه، إلا أن أديب نوبل كان يدرك داخليًا سبب الطعنة، وكان يعلم بخطورة مشروعه الأدبي، على المتطرفين وصانعي الإرهاب.

التفاف المثقفين حول “عمود البيت”، كانت عنوانًا للمسافات الكبيرة ما بين رقي محفوظ، وانحطاط من حاولوا قتله. اقترب الشابان من السيارة، فابتسم لهما محفوظ ومد يده بالمصافحة، كما تعود أن يفعل مع محبيه في المقهى أو على كورنيش النيل في جولات المشي المعتادة. ولكن اليد الممتدة بالسلام لم تتمكن من تفادي طعنة غادرة.

في حوار أجراه الكاتب محمد سلماوي مع المتهم الأول، محمد ناجي محمد مصطفى، نشر في مجلة “الثقافة الجديدة”، قال ناجي إن “الجماعة الإسلامية” كلفته بقتل صاحب نوبل.