+A
A-

فوز سويسري بنكهة الانتصار لكوسوفو

حافظت سويسرا على حيادها ولم تكن طرفا في أي حرب منذ العام 1815. انتظرت حتى 2002 لتنضم إلى الأمم المتحدة للمحافظة على مكانتها كوسيط عالمي. لكن مباراتها ضد صربيا في كأس العالم في كرة القدم، أعادت نكء جراح سياسية وعرقية واستعادت التاريخ الدموي للبلقان، مع بروز لاعبين سويسريين تعود أصولهم لكوسوفو.

الجمعة في كالينينغراد، كان المونديال الروسي على موعد مع مباراة حاسمة في المجموعة الخامسة، بين سويسرا التي فاجأت البرازيل بالتعادل 1-1 في الجولة الأولى، وصربيا الباحثة عن ضمان التأهل إلى الدور ثمن النهائي بعد فوزها في الجولة الأولى أيضا على كوستاريكا 1-0.

تقدمت صربيا بهدف منذ الدقيقة الخامسة، إلا أن سويسرا قلبت الطاولة، وفازت في الثواني الأخيرة بنتيجة 2-1. ما إن سجل شيردان شاكيري هدف الفوز، حتى توجه نحو المشجعين الصرب، ووضع يديه على صدره بشكل معاكس، راسما شارة “النسر المزدوج” الأسود اللون، رمز ألبانيا، والذي يتوسط علمها الأحمر. سبقه إلى ذلك مسجل الهدف السويسري الأول غرانيت تشاكا، الذي تعود أصوله أيضا إلى كوسوفو.

فتح اللاعبان عريضا باب التاريخ. كوسوفو، الإقليم ذو الغالبية المسلمة الواقع شمال ألبانيا، شرع في حملة انفصال عن صربيا العام 1998. قمع نظام بلغراد محاولات الانفصال المسلحة بقوة، مما دفع حلف شمال الأطلسي إلى التدخل في مارس وشن غارات على العاصمة الصربية، فاضطرت قواتها إلى الانسحاب من كوسوفو بعد 78 يوما. بعد 10 أعوام من إدارة الأمم المتحدة، أعلن الإقليم استقلاله بعد نزاع حصد 13 ألف قتيل.

وعلى رغم أن كوسوفو باتت دولة مستقلة اعترفت بها أكثر من مئة دولة (لا تشمل صربيا و5 دول من الاتحاد الأوروبي، وروسيا والصين)، إلا أنها لا تزال متعلقة عاطفيا بـ “الأمة الألبانية”.

حضر النسر في ملعب المباراة بكامل رمزيته في مواجهة المشجعين الصرب الذين يرفضون الإقرار باستقلال كوسوفو. تعرض شاكيري لاعب وسط ستوك سيتي الإنجليزي حاليا وبايرن ميونيخ الألماني وانتر ميلان الإيطالي سابقا، لصافرات الاستهجان طوال الدقائق التسعين، وفجر فرحته مع الهدف بالركض في أرض الملعب وخلع قميصه احتفالا.

هذه المشاعر العاطفية لم ترق للمدرب السويسري فلاديمير بتكوفيتش الذي شدد بعد المباراة على أنه “لا يجب المزج أبدا بين السياسة وكرة القدم”.

توجه أيضا إلى الجمهور الصربي بالقول “من الجيد أن تكون مشجعا... من المهم أيضا أن تظهر الاحترام”، مضيفا “من الواضح أن المشاعر خرجت (إلى العلن). أعتقد أنه يتوجب علينا الابتعاد عن السياسة في كرة القدم إن كان داخل الملعب أو خارجه، ويجب أن نركز على اللعبة”.

وبرر شاكيري ما قام به بالقول “في كرة القدم ثمة مشاعر دائما، وبإمكانكم رؤية أن ما قمت به هو التعبير عن المشاعر وحسب. أنا سعيد بتسجيل الهدف، هذا كل ما في الأمر”.

المشاعر تكتسب قيمة مضاعفة لدى تشاكا مسجل هدف التعادل في الدقيقة 52، فوالده كان معتقلا في السجون الصربية خلال الثمانينات.

هل كانت حركة تشاكا وشاكيري عفوية؟ الأرجح كلا. ما إن انطلقت صافرة نهاية المباراة حتى غرد رئيس كوسوفو هاشم تاشي مهنئا اللاعبين وسويسرا على “الفوز المستحق تماما. فخورون بكم! كوسوفو تحبكم!”.

ليس من المستغرب أن يكون في صفوف المنتخب السويسري لاعبون من أصول ألمانية، فرنسية، إيطالية، وهي اللغات الرسمية الثلاث للجمهورية الفدرالية المكونة من 26 كانتونا، إلى جانب اللغة الرومانشية في كانتون غراوبوندن (إضافة للألمانية).

يعكس المنتخب السويسري تنوعا إثنيا غنيا، بدءا من الدفاع مع يوهان دجورو (أصله من ساحل العاج)، وفرنسوا موباندجي (كاميروني) وريكاردو رودريغيز (إسباني - تشيلي)، مرورا بالوسط مع تشاكا وفالون بهرامي (ألباني) وبليريم دزيمايلي (ألبان مقدونيا) وشاكيري وغيرهم. جعل المدرب بتكوفيتش (وهو أيضا من كروات البوسنة) من هذا التنوع “توليفة” منسجمة على غرار التنوع الثقافي والاندماج في المجتمع السويسري.