+A
A-

إدانة آسيوي بالمؤبد بعد تبرئته من قتل كفيله

عاقبت محكمة الاستئناف العليا الجنائية الأولى شابًّا آسيوي الجنسية (34 عامًا – هرب بعد حدوث الواقعة مباشرةً إلى بلاده) وبإجماع الآراء بالسجن المؤبد، بعد إلغاء حكم يقضي ببراءته مما نسب إليه من تهمة قتل كفيله في منزل قيد الإنشاء مملوك للمجني عليه، في العام 2011.

وكانت النيابة العامة قد وجهت للمتهم تهمة أنه بتاريخ 31 يناير 2011، قتل المجني عليه عمدًا مع سبق الإصرار بأن بيّت النية على قتله حيث قام بالتوجّه برفقته لمنزل قيد الإنشاء، وانهال عليه بالضرب بواسطة آلة حادة على رأسه فأسقطه أرضًا قاصدًا من ذلك إزهاق روحه وإغلاق باب الغرفة عليه، ونتج عن ذلك إصابته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وقد اقترنت هذه الجناية بجريمة أخرى وهي جنحه السرقة، حيث إنه في الزمان والمكان سالفي الذكر قام المتهم بسرقة مبلغ من المال من المجني عليه ولاذ بالفرار.

فقضت محكمة أول درجة في وقت سابق، غيابيًّا، ببراءة المتهم مما نسب إليه من اتهامات، لعدم كفاية الأدلة ضده، وهو ما لم تقبل به النيابة العامة فطعنت عليه بالاستئناف. إذ قالت أول درجة في حيثيات حكمها إن الإسناد في المسائل الجنائية إنما يبنى على الجزم واليقين لا على مجرد الظن والتخمين، كما أنها لا تطمئن إلى أقوال شهود الإثبات الستة لما ثار حولها من الشكوك والريب، ومن ثم فإن دليل الدعوى القولي لا يرقى إلى اطمئنانها بما لا يصلح معه دليلاً معتبرًا في الإدانة. وأضافت أن مقدم بلاغ الواقعة شخص مجهول عن الدعوى، كونه لم يتم استجوابه بشأن الواقعة، والذي لم يوجّه اتهامه إلى أحدٍ ما في قتل عمه المجني عليه، بينما لم يتقدم أي من شهود الواقعة ببلاغ، مشيرةً إلى أن أقوال هؤلاء الشهود كانت مجرد استنتاجات بُنِيَت على وجود خلاف سابق بين المتهم والمجني عليه، والذي أعاده للعمل بعد تسفيره في وقت سابق وأعاده مجددًا، وهذا ما يؤكد انتهاء الخلاف المزعوم بين المتهم والمجني عليه. وجاء في تبريرات المحكمة لحكمها حول اتهام الآسيوي بسرقة مبلغ 7000 دينار من خزانة المجني عليه، أن أوراق الدعوى خلت مما يفيد حدوث ثمة سرقة مبالغ مالية من تجوري بمنزل المجني عليه، والذي كان فيه حسب شهادة الشهود عملات أجنبية من الدولارات الأميركية والعملة التايلندية، إذ لا توجد بصمات تم رفعها تعود للمتهم، فضلاً عن المبلغ المذكور في واقعة السرقة وهو 7000 دينار، قد ثبت أنه تم إيداعه في الحساب البنكي الخاص بالمجني عليه قبل حصول الواقعة المزعومة، والتي حدثت أساسًا في مكان آخر يبعد عن مكان السرقة.

أما بشأن اعتداء المتهم على المجني عليه باستخدام قطعة حديدية وعصا حديدية “باري”، فأشارت إلى أنه لم يثبت وجود آثار دموية أو خلايا بشرية عليهما، فضلاً عن أن الضرب بتلك الأدوات يترك آثارًا كدمية محددة المساحة، وهو ما لم يتم ذكره في تقرير الطب الشرعي.

وانتهت المحكمة إلى أن الأوراق خلت من ثمة دليل يقيني يمكن الاعتماد عليه على وجه القطع واليقين على ارتكاب المتهم للواقعة سواء بمفردة أو مع غيره مساهمةً أصلية أو تبعية مع توافر أحد صورها من اتفاق أو تحريض أو مساعدة مع الغير، وبذلك يضحى الاتهام غير قائم على غير سندٍ من القانون ولا الواقع وينحسر عن الواقعة على هذا النحو وصف القتل أو الاشتراك فيه، ولما كانت الواقعة غير معاقب عليها تحت وصف آخر فإنه يتعيّن والحال كذلك القضاء ببراءة المتهم. وتشير أوراق القضية إلى أنها وقعت في العام 2011، لكن لم يتم إحالتها للقضاء إلا في العام 2016، وتتمثل تفاصيلها في أن ابن شقيق المتوفى أبلغ عن وفاة عمه بعد أن لاحظوا وجود جثته في منزله قيد الإنشاء، واستغربت محكمة أول درجة من أن المبلِّغ لم يكن من ضمن شهود القضية في التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة.

وجاء في أقوال ابن المجني عليه أنهم وبعد أن افتقدوا أباه قاموا بالبحث عنه في أكثر من مكان، إلى أن وصلوا إلى منزلهم قيد الإنشاء، والذي تبين لهم أن أبوابه مغلقة، إلا أنه عندما نظر من خلال النافذة شاهد والده ملقىً على الأرض، وكان الدم ينزف من فمه. أما الشاهد الثالث وهو آسيوي الجنسية، فقد ذكر أنه صديق للمتهم، والذي كان قد أبلغه الأخير أنه على خلاف مع كفيله المجني عليه، إذ اتصل به بعد وقت الواقعة وطلب منه توصيله إلى المطار لمغادرة البلاد على أول طائرة ستحلق إلى بلاده مدعيًا أن والده مريض، وكان واضحًا عليه الارتباك، إلا أنه عندما اتصل بوالد المتهم بعد عدة أيام، أبلغه الأخير أن المتهم تشاجر مع كفيله قبيل سفره.

فيما قالت خادمة فلبينية الجنسية إن المتهم حضر في يوم الواقعة إلى منزل المجني عليه، وطلب منها أن يدخل ليجلب مفتاح السيارة، فطلبت منه الانتظار حتى تستأذن ابنته والتي سمحت له بذلك، موضحةً أنه كان باديًا عليه الارتباك.

وهذه الأسباب لم تقبل بها النيابة العامة فطعنت على حكم محكمة أول درجة بالاستئناف الماثل للثبوت، وقدمت مذكرةً بأسباب الاستئناف، نَعَت فيها على الحكم المستأنف بالقصور في التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق والتعسف في الاستنتاج.

وقالت النيابة إن المتهم خرج بصحبة المجني عليه يوم الحادث، ومن ثم فإن المصاحبة تقطع بأن المتهم مرتكب الواقعة، كما أن من غير المنطقي تعمّد المتهم السفر فجأة دون إعلان وبتذكرة اشتراها من مطار البحرين الدولي في تاريخ الحادث، بما يدلل على أنه لم يكن مسافرًا وإنما لائذًا بالفرار.

وعللت النيابة استنتاجها بعدم عودة الجاني حتى الآن، وكذلك مشاهدة زملائه الذين قاموا بتوصيله للمطار بعد الضغط عليهم بانتحاره إذا ما لم تم إيصاله للمطار باضطرابه وأنه كان بحوزته مبالغ نقدية لعملة البحرين بمحفظة نقوده، كما أنه من غير المنطقي ترك سيارة رب عمله في الطريق غير مغلقة وبداخلها المفتاح الخاص بها.

فضلاً عن أن التحريات دلّت على أن المتهم هو مرتكب الواقعة كما عوّل الحكم في قضائه بالبراءة استنتاجًا من عدم قيام أي من شهود الإثبات بالإبلاغ عن الواقعة، وإنما المبلّغ شقيق الشاهد الرابع وهو ابن أخ المجني عليه وتجاهل الحكم جميع تلك القرائن، وطلبت في نهائية مرافعتها إلغاء الحكم المستأنف والقضاء بإجماع الآراء بإدانة المستأنف ضده وفقًا لأمر الإحالة. من جهتها، قالت محكمة الاستئناف العليا إن الواقعة التي توصلت إليها تتمثل في أن المتهم كان يعمل سائقًا لدى المجني عليه منذ عدة أعوام، وقد حدثت خلافات ومشادات بينهما، ففكر مليًّا على ترك العمل ومغادرة المملكة، إلا أن هذا الخلاف لم ينته فقرّر الانتقام من المجني عليه بإزهاق روحه. وأوضحت أنه في صباح يوم الواقعة خرج بصحبة المجني عليه لتحصيل إيجارات بعض المحلات المملوكة للأخير، ومن ثم توجها سويًّا إلى عقار تحت الإنشاء مملوك للمجني عليه بالقرب من مسكن الأخير، وما إن ظفر به داخل إحدى الغرف الخالية التقط أداةً صلبة راضة وهوى بها بقوة وعنف على مؤخرة رأس المجني عليه والعضد الأيسر عدة مرات فأحدث به العديد من الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أدت إلى وفاته.

وبعد أن تيقن المتهم من الإجهاز عل كفيله قام بسرقة الأموال التي كانت بحوزته وأغلق عليه باب الغرفة من الخارج وتوجّه إلى مسكن المجني عليه محاولاً الدخول من باب الكراج بالرغم من حمله مفتاح للباب الرئيسي للمسكن فأبصرته خادمة بالمنزل فتوجهت إليه وأبلغها أن المجني عليه طلب منه مفتاح السيارة الخاصة به فاستأذنت من أهل المنزل ودخل إلى غرفة المجني عليه وأبصرته يخرج مسرعًا وبيده المفتاح وهو في حالة اضطراب وارتباك شديدين، مؤكدةً أنه أدار السيارة وانصرف بها.

وأضافت المحكمة أنه اتصل هاتفيًّا بزميله في العمل طالبًا منه الحضور إليه على وجه السرعة؛ لتوصيله إلى المطار لرغبته في مغادرة المملكة في أسرع وقت على أول رحلة متوجهًا إلى بلاده، فتوجّه المشار إليه لمقابلة المتهم وبصحبته شخص آخر وتقابلا بالطريق، مبينةً أن المتهم كانت معه سيارة تركها في الطريق العام وركب معهما، وأنه كان في حالة ارتباك. وتابعت، أنه طلب منهما توصيله للمطار لمغادرة البلاد، فحاولا إثناءه عن السفر إلا أنه رفض ذلك مهددًا إياهما بالانتحار إذا لم يتم إيصاله للمطار، وبالفعل توجهوا للمطار حيث اشترى تذكرةً على أول رحلة طيران متوجهًا للإمارات ومنها إلى بلاده. وقال أحد الشاهدين إنه أثناء إخراج المتهم لحافظة نقوده أبصر أنها ممتلئة بدنانير بحرينية فئة الـ20 دينارًا، كما أخبره أحد العمّال معهم أن والد المتهم اتصل بالأخير هاتفيًّا من بلاده وأبلغه أن نجله -المتهم- أخبره بحدوث مشاجرة بينه وبين المجني عليه قبيل مغادرته البحرين، مما اضطرّه للهروب من البلاد.

وأشار إلى أنه اتصل بزوجة المتهم للوقوف على حقيقة الأمر، والتي أبلغته أن أهل القرية يتحدثون عن قتل المتهم لكفيله. وأفادت المحكمة أن تحريات الضباط دلت على ارتكاب المتهم لواقعة قتل المجني عليه وسرقة أمواله، كما أنه عثر على سيارة المجني عليه بالطريق العام بواسطة ابن أخ المجني عليه واتهمه الأخير ونجل المجني عليه بارتكاب الواقعة.

ونوّهت المحكمة في حيثيات حكمها إلى أن الحكم المستأنف قد خالف هذا النظر مما يتعيّن معه الحكم وبإجماع الآراء القضاء بإلغائه والحكم بإدانة المتهم عملاً بالمادة 302 من قانون الإجراءات الجنائية.   وحيث إنه بالنسبة لتقدير العقوبة فقد أخذته المحكمة بقسط من الرأفة في حدود السلطة المخولة لها بنص المادة 72 من قانون العقوبات. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بقبول استئناف النيابة العامة شكلاً وفي الموضوع وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف وبمعاقبة المتهم بالسجن المؤبد عما أسند إليه.