+A
A-

هكذا يقسو علَي والدي!

المشكلة:

هل في زيارة صديقتي اقتراب من الجرم المشهود؟! أو هل في محادثة صديقتي بالهاتف شبهة قريبة من الجرم المشهود؟! لقد قطع خدمة الهاتف عن المنزل، وحظر علَي اقتناء هاتف نقال، وضايق صديقاتي في زيارتهن لمنزلنا كما منعني من زيارتهن... ماذا يريد هذا الأب؟! لقد بالغ في الضغط علَي وبالغ أيضا في قسوته. ما عاد يلتفت إلى صوت البنت في داخلي.. إنه يمارس ديكتاتورية قاسية ولا يعرف معنى أن تكون البنت في ظل والدها.. يقرأ القرآن ولا يفهم معانيه.. يجاهر بالذهاب إلى المسجد لكنه لا يطبق مفاهيم الدين من رحمة وعدل وتسامح وصفاء قلب وحنان أب. إنه رجل حاقد، ظالم، وسيئ الظن! يرى أن البنت خائنة.. وأنه لابد للأب من ملاحقتها وردها عن الزلل ولابد من إبعادها عن الهاتف والناس والأسواق وزيارة الآخرين. ماذا أفعل بهذا الرجل الذي يربطني به أنه والدي، ويمارس معي لعبة الجلاد والضحية.. ويتفنن في تنكيد حياتي وإثارتي؟ فرضت علي طاعة والدي، ولكن من الطاعة ما يعذب النفس ويعارض سنن الحياة ويوازي بين الإنسان والبهيمة!

لقد كرهت كل الرجال بعدما أذاقني هذا الرجل صنوف العذاب، وكرهت حياتي.. ستة عشر عاما وأنا أعاني وأصبر.. عله يفيق من غفوته.. ويدرك أن لابنته مشاعر وعواطف.. ستة عشر عاما وأنا أمني النفس بغد جديد، ولكن هذا الغد ما زال بعيدا وما زلت أعاني احتراقات الذات.. أكتب الآن وهو ما زال وحشا كاسرا ينهش فيما بقي من جسد ضئيل ما عاد يقوى على حمل ثقل الهموم.. اتق الله في فأنا ابنتك من لحمك ودمك فإذا أنت لم تعطف علي ولم يحن علي قلبك.. فمن لي إذن؟

من أين أحصل على العطف والحنان والاهتمام؟! أمن أب ظالم أم من أم حقود، أم أبحث في كل زاوية من زوايا الشارع المظلم علّي ألقى من يهتم بي وأهيم به عشقا وأنسى آلامي؟!

 

هجران

 


 

  الحل:

ابنتي العزيزة “هجران”.. يبدو لي أنك طالبة متفوقة في المدرسة مما لمسته من قوة تعبيرك في الكتابة، فاسمحي لي أن أهنئك على هذا الأسلوب الجيد وأنت ما زلت في السادسة عشرة من عمرك.. فأنا بالحق أود أن أسجل إعجابي بك با ابنتي العزيزة وبكل تقدير واحترام!

ولكن يا ابنتي لم هذا السيل من العتاب واللوم على والدك؟! أيستحق أن تنتقديه بهذه الصورة القاسية؟ لا يا عزيزتي.. إنه والدك مهما كان قاسيا معك أو مهما أخطأ في حقك كما تظنين.. لا بأس من التعبير عما تحملينه بداخلك في صورة انفعالات تنفيسية لإزالة الضغوط المتراكمة في نفسك سواء بالتعبير الكتابي أو بالتعبير اللفظي، فهو أسلوب جيد يساعد على تخفيف التوتر والضغط وأنا شخصيا أوافقك على هذا الأسلوب وإلى هذا الحد بشرط ألا يتجاوز ذلك لكي لا يصل إلى درجة الحقد والكراهية ومن ثم الطعن في كرامة الأبوة والأمومة، فلا تنسي مكانتهما المقدسة فعقوق الوالدين لا يرضى بها الله سبحانه وأنت إنسانة مؤمنة، فهناك آيات في القرآن الكريم تتحدث عن هذه المكانة العظيمة التي منحها الله سبحانه وتعالى للوالدين..

فكلمة “الوالدين” تحمل أجمل المعاني والمفاهيم في حياتنا.. فمن أجلها يجب أن نضحي بالكثير حتى لو كان مقابل ذلك أرواحنا، فلم ولن نجزي بجزء من تلك الأمور التي يتصف بها الوالدان، ليس ذلك فحسب وإنما هناك الكثير الكثير من تلك الأمور التي يتصف بها الوالدان من تضحيات ومواقف مليئة بالحب والحنان والعطف والخوف علينا من كل صغيرة وكبيرة. فهذا الحب العظيم الذي يكنانه لنا لا يضاهيه شيء لو وضع في كفة الميزان.. فمهما ذكرنا من تلك الجوانب لن نحصي ولن نعد مفهوم الأمومة والأبوة حتى لو وضعت في موسوعة سوف نحتاج إلى مجلدات عديدة لن نستوفى بها حق الوالدين علينا!

فهل لمجرد خوفهم علينا أو منعهم لنا أو بتوجيه نصيحة إلينا تثور ثائرتنا ونشعلها حربا ضدهم؟ لا يا ابنتي، لو كنت تدركين معنى تلك المفاهيم لما تجرأت بالتفوه بحرف واحد قد يكون له أثر سيئ في نفسيهما، ولما غفرت لنفسك لحظة واحدة.. ولكن على أية حال ما زلت فتاة صغيرة في السادسة عشرة من عمرك، وغدا عندما تصبحين أمًا ستقدرين موقف والديك وستدركين تماما كم كنت مخطئة في حقهما!

عزيزتي، لم أسرد تلك الديباجة للدفاع عن الوالدين بها، بل هي حقيقة يجب أن نسلم بها وخاصة إذا كان الوالدان ملتزمين في رعاية أبنائهما والحفاظ عليهم من أي مكروه لا سمح الله. ولكل أم أو أب طريقة خاصة وأسلوب في التعامل مع أطفاله يتصف به شخصيا وينفرد به نتيجة لوعيه وثقافته ونشأته التربوية الأولى، فهناك فروق وتباين بين الآباء في اختيار أساليب التعامل وكل ينظر من زاويته بأنه الأكثر صوابا وهذا أمر طبيعي، ولا يمكن أن نفرض عليهم أسلوبا يرفضونه؛ بسبب عدم قناعتهم به، ولا ننسى تلك الفجوة بين الأجيال التي تخلق صراعات لا تنتهي، وكل ما علينا هو التحلي بالصبر وتقديم بعض التنازلات من أجل سير السفينة في بحر هادئ يخلو من تلك الأمواج الهائجة، وعلينا احترامهم وتقديرهم بكل ما تعنيه الكلمة في مقابل ذلك الدور العظيم الذي يؤدونه من أجلنا.. فعلينا بالطاعة لكي يرضى الله عنا.. وتأكدي أنه كلما عكست تلك الصورة الجميلة عن نفسك من أخلاقيات وسلوكيات تجاه الوالدين تيسرت تلك الأمور وسهلت معاملتهما معك ومن ثم ستزداد ثقتهما بك ويتحول التعامل السابق إلى تعامل ناضج؛ لأنك ستكونين ناضجة في نظرهما ولاسيما أنك أوشكت على الانتهاء من المرحلة المدرسية كما أعتقد، أي في غضون السنوات المقبلة ستكونين على أبواب مرحلة جديدة ألا وهي الحياة الجامعية وسيكون لك دور جيد فيها.

عزيزتي، كل ما عليك هو الصبر وما هي إلا فترة قصيرة تجتازين هذه المرحلة وحبذا لو قمت بتقويم نفسك بعد سنتين أو ثلاث سنوات على أقصى حد، فستجدين النتائج مختلفة عن الآن.. فاتبعي تلك النصائح علها تفيدك.. وليبارك الله لك في كل خطوة إن شاء الله.