+A
A-

قراءة في رواية سماهوي

في “سماهوي” تسكنك اللحظة المنسية الموسومة بالوجع، لكنك لا تفقد الصلة بالتراب، فالمحنة فيك وحدك وأنت تهاجر معهم بذاكرة الجهات، مع المهاجرين تحمل على كتفيك القرى والمدن، تتقن فن العزلة في سياق الانتماء. شأنك أن تعود والموت كله في رأسك، فأنت لن تهاجر مع الرجال بأجسادهم وحسب بل بالمكان والزمان ورائحة البحر، ستصلي طاهرا فالبحر سجادة المهاجرين، ثمة موت فارق ينتابك في حكاية السلوم، الوجع، هجرة الروح وما يفعله الضباب والغياب، تبحث عن خزنة أم الوطن لا تدري!

لا فرق أن تغرق سماهوي من الوجع والماء ونخلها باسق للموت مرات عديدة، لا ضير من صلاة مصلوها لبسوا الأكفان سهوا فكان لازما أن يعّيد الدم غدرا وعذرا، أكثر ما يتقنه الحزن أن يخلق قبرا جماعيا يكون أكثر ملاءمة من المنفى.

نساء سماهوي خلقن واقفات، ولو جلسن تبور الأرض ويغور الماء ويموت البحر، فالوقت ممتلئ والفراغ نكرة، النساء في سماهوي لا تمرض ولا تموت، ماعدا إن الهجرة بلا حناء، عطر أو “مشمر” هو موتهن. ربما يقام العرس بعد الولادة خوفا من الفداوية، طقس الحياة يتناوب فيه الغياب والحضور، مغامراتهم الوحيدة هي الهجرة في السلوم.

لما رجع عيسى من منفاه كان لا يتكلم ولا يأكل، فقط يأكل نفسه، كانت محنة العودة قبل الهجرة سامة، أفرغت ذاكرته وأعطبتها ماعدا ذكرى السلوم وموته في نفسه، كله ما يتذكره أن الوقت في المنفى كله له، لا أحد ينازعه، هذا كان وجه المنفى: هو وحده، أن لا يكون حبيس ذراعي امرأة تستل منه مرارة الغياب بدفئها. خرج عيسى من قريته خائفا، وعاد بعد 30 هجرة خائفا من الموت في بلاده غريب، عاد والموت كله في رأسه مختمرا ومات بعد شهرين.

يطغي البحر فيحضن النساء اللواتي بقين بلا أحضان الرجال، وتجور الأرض فتنفي الرجال مرات ومرات، منفى بحياة وآخر بموت... لا فرق.

سماهوي رواية للكاتب حسين المحروس، تم طبعها في مطلع العام الحالي، من الحجم الصغير، تتكون من 153 صفحة، بصورتها السردية المتقنة تطويك الهجرة لما تقرأها، واحذرك سيسكنك البحر، وحاول أن تعود قبل أن يغلق عليك المنفى ذراعيه، ولا تنس فردة قلبك وأنت تغرق مع خزنة.

 

بقلم: حنان فردان