عندما اختار منظمو منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي مملكة البحرين كضيف شرف رسمي في النسخة الثامنة والعشرين، لم يكن ذلك مجرد لفتة دبلوماسية، بل كان إشادة بدولة كبيرة برؤيتها ومبادراتها ومواقفها التي تتردد أصداؤها في مراكز التوازنات الإقليمية والدولية. ومع ما يشهده العالم من تحولات سياسية واقتصادية متسارعة في عالم متعدد الأقطاب، يبرز المنتدى كمنصة رائدة لبناء تحالفات جديدة وإعادة صياغة أنماط التعاون بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب.
وحضور مملكة البحرين، بما تملكه من ثقل سياسي واقتصادي وثقافي، لم يكن حضورا متفرجا، بل كان حضور دولة لها صوت واضح ورؤية متماسكة. سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة الذي ترأس الوفد البحريني، لم يكتف بتسجيل ظهور بروتوكولي، بل مثّل دولة تعرف تمامًا ما تريده من العالم، والأهم من ذلك، ما تستطيع تقديمه، ومن خلال تفاعلات مدروسة ونقاشات هادفة، تحوّل جناح البحرين إلى منصة لامعة تجسد المسار النشط للمملكة في مجالات الابتكار والطاقة والاقتصاد الإبداعي. هذه المشاركة تحمل دلالات داخلية بالغة الأهمية، فبينما تواصل مملكة البحرين تنويع اقتصادها وتتقدم بثبات نحو مرحلة ما بعد النفط، يشكل المنتدى بوابة لتوسيع العلاقات مع أسواق غير تقليدية وتطوير شراكات تفتح آفاقًا جديدة للاستثمار والتعاون. 

ولم يكن هذا الحدث استعراضاً دبلوماسياً، بل لحظة عملية لبناء جسور قادرة على تحقيق مكاسب فورية للواقع البحريني، لاسيما في مجالات تمكين الشباب، والتكنولوجيا، والسياحة، والتجارة. وقبل كل شيء، فإن مشاركة مملكة البحرين تبعث رسالة ثقة بالنفس، مفادها أن البحرين قادرة على التعامل مع العالم كدولة ذكية، مرنة، تتطلع إلى المستقبل.
وفي هذا السياق، سيكون من المفيد استثمار هذا الزخم الدولي وتحويله إلى نتائج محلية ملموسة. ويُقترح في هذا الإطار إنشاء “منصة سانت بطرسبرغ – البحرين للشراكات المستدامة”، كآلية متابعة للبناء على إنجازات الوفد البحريني. ويمكن أن تكون هذه المنصة كيانًا مشتركًا بين مجلس التنمية الاقتصادية والقطاع الخاص، بمهمة واضحة: تحويل الحوارات إلى شراكات، والأفكار إلى مشاريع قابلة للتطبيق.
لقد كانت مساهمة البحرين في المنتدى محورية، والمملكة وهي ترسم موقعها على الخارطة العالمية تدرك أن التحديات المقبلة لا تُواجه بالعزلة، بل بالانفتاح الواعي والانخراط الاستراتيجي في المنتديات الدولية. من سانت بطرسبرغ، أرسلت مملكة البحرين رسالة واضحة مفادها: نحن هنا، وسنكون حيث تُصنع الفرص.

كاتبة وأكاديمية بحرينية