ضياء الرافدين يضئ في البحرين..
ليس ذلك كنايه أدبيه ، بل تصوير لرجلٍ يحمل معه من ضفاف دجلة والفرات دفئًا، ووقار العالِم، ونقاء روح إنسانية نادرة.
حين تفتح الأبواب على دفء حقيقي، وتدخل إلى حضرة إنسان يُحسن الإصغاء قبل أن يضع كفّه على موضع الألم، تدرك أنك في عيادة ليست كسائر العيادات، بل مساحة إنسانية يغمرها الاطمئنان أكثر مما تغمرها الأجهزة الطبية.
هذا هو الدكتور ضياء دحام الفهداوي، ابن بلاد الرافدين، ووارث كرمٍ يتدفق من العراق حتى قلوب الناس في البحرين.
ليس من قبيل المصادفة أن يحمل اسمه “ضياء”، فالضوء لا يمكن حجبه، حتى وإن غطّى الجدران. على مدى أكثر من ربع قرن من العطاء في مهنة طب الأسنان النبيلة، وهي مهنة تُلامس الألم وتسير بجانبه حتى عتبة الشفاء، بدأ الدكتور ضياء مسيرته معيدًا، وتدرّج في السلم الأكاديمي حتى بلغ درجة الأستاذية. ومع ذلك، لم يتخلَّ يومًا عن تواضعه، ولا عن رقيّه وإنسانيته التي لا تُدرّس في أي منهج.
عرفته منذ سنوات طويلة في أروقه مركز عبد الرحمن كانو الثقافي، رجلٌ يعانق المعرفة كما يُعانق الإنسان فجرًا جديدًا، بعينين تتلألآن بالفضول، وقلبٍ يدرك أن الثقافة ليست ترفًا، بل ضرورة.
في حضوره طيف من السكينة، ومتعة بسيطة، كأنك تسمع في الخلفية لحنًا عراقيًا قديمًا: “خدري الجاي خدري”، يهمس بأن البساطة سحر، وأن الصدق يترك بصمة لا تُمحى.
عيادته، التي أسّسها في البحرين عام 2015، لا تفرض مكانتها عبر الأجهزة أو التكنولوجيا الحديثة وحدها، بل عبر تفاصيل تشبهه: نظافة متقنة، ونظام دقيق، وطاقم متعاون، فضلاً عن أجواء راحة نفسية تُشعر المريض بالطمأنينة. ومعطفه الأزرق ليس مجرد زيّ طبي، بل لون يليق بروح هادئة تمقت الصخب، وبيدين تمارسان الطب كفنّ باحترام، ورعاية، واهتمام.
ولأنه ابن رجلٍ متدين وورِع، فلا عجب أن تنعكس هذه التربية في سلوكه، في احترامه لكل مريض، وفي حسن استماعه، وفي تهذيبه الرفيع، وفي غياب أي استعراض أو تصنع . لم نسمع عنه إلا في مواقف نبيلة، ولم نعرفه إلا سبّاقًا إلى الخير، كما لو أن الجود يجري في عروقه، لا مجرد صفة اكتسبها.
في زمنٍ أصبح فيه التقدير نادرًا، يقدّم لنا الدكتور ضياء نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه الإنسان حين يجمع بين الثقافة والمعرفة. هو لا يُصلح الأسنان فحسب، بل يُعالج شيئًا من الخوف، ويُعيد رسم العلاقة بين الطبيب والمريض على أسس من الاحترام، لا الخضوع الصامت.
وهكذا، فإن الدكتور ضياء - ضياء الرافدين الذي يضئ في البحرين- ليس مجرد عابرٍ يؤدي واجبه ويمضي، بل هو من يترك في كل لقاء أثرًا، وفي كل لحظة نورًا صغيرًا، لا تراه العين، لكنه يسكن القلب طويلاً، ويمنحنا يقينًا بأن النُبل لا يزال موجودًا.. فقط علينا أن نحسن النظر.