العدد 6081
الأحد 08 يونيو 2025
banner
ما يطفح إلا اللوح!
الأحد 08 يونيو 2025

 “ما يطفح إلا اللوح!”، مثلٌ خليجي بسيط في عباراته، عميقٌ في دلالاته. اللوح هنا ليس مجرد خشبة تتقاذفها الأمواج، بل هو رمزٌ لكل ما لا قيمة له، لكل ما يعلو السطح بلا جهد، بلا مضمون، وبلا استحقاق. يُذكّرنا هذا المثل بأن ليس كل ما يطفو يستحق أن يكون منارةً يلتف حولها الناس.
للأسف الشديد في واقعنا العربي، أصبح “اللوح” أول من يُرى، أول من يُسمع، وأول من يُختار. كل ما يحتاجه هو صوتٌ عالٍ، أو شبكة علاقات واسعة، أو جُرأة الجهل وفجأة، تجده مديرًا، مسؤولًا أو واجهةً يُشار إليها بالإعجاب، بينما يُشار إلينا نحن بالحسرة. في أعماق المجتمع، حيث الصمت، ترقد الكفاءات الحقيقية، هناك في السكون، تستقر اللآلئ، نادرة، ثمينة، ساكنة، لا تطفو وحدها، ولا تصدر ضجيجًا، تنتظر من يملك الشجاعة ليغوص، ومن يعرف قيمتها. لكن اليوم من الذي بقى يُجيد الغوص في زمن السطح؟ من لا يزال يملك البصر والبصيرة ليرى ما هو أعمق من البريق الخادع؟
غالبًا من يتصدر القيادة وهو لا يفقه شيئًا هو نفسه الأكثر يقينًا بأنه يفهم كل شيء. وفي الحقيقة، مؤسساته تغرق ببطء، تمامًا كسفينة يقودها لوح يتظاهر بأنه ربّان! والأسوأ من ذلك أن اللوح لا يغرق وحده، بل يسحب معه من تحته من لآلئ العقول، والأمل، والمستقبل. 

كيف بلغنا هذا الحد من الطفو؟ متى ابتعد المعيار عن الكفاءة إلى هذا الحد، واستُبدلت الخبرة بابتسامات زائفة، والعقول بالألقاب الفارغة؟ كم لؤلؤة دفنّاها تحت قرارات خشبية؟ وكم لوحًا مجّدناه حتى نحتنا له تمثالًا على الشاطئ؟ نعيش زمنًا لم نعد نميز فيه بين البريق والضياء. كل شيء يلمع، لكن ليس كل شيء يُنير!
نركض خلف كل ما يطفو، ونترك اللآلئ تنتظر في القاع من يستحقها.
فإليك أيها القارئ:
إن كنت قائدًا.. فلا تكن لوحًا يتخبط بلا وعي. وإن كنت موظفًا.. فلا تظن أن ما يعلو هو الأفضل. وإن كنت لؤلؤة.. فاصبر، فالبحر لا يخون كنوزه، بل ينتظر الغواص الحقيقي.

ويبقى السؤال: من الذي علّمنا أن السطح هو المعيار؟ ومن الذي أقنعنا أن اللوح يصلح أن يقود اللآلئ؟.

كاتبة وأكاديمية بحرينية

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية