لطالما شكلت الطموحات النووية الإيرانية تحديًا للأمن الإقليمي والعالمي، وعلى الرغم من المفاوضات والاتفاقيات المختلفة، لا تزال طهران تطور برنامجها النووي بينما تستخدم المحادثات الدبلوماسية لتخفيف الضغوط الاقتصادية، وهو ما يجعل المحادثات القائمة حاليا ذات أهمية قصوى سينتج عنها سلام تحت التجربة أو حرب لا تحمد عقباها. وتقدم الولايات المتحدة الأمريكية قضية مقنعة للعقوبات المحددة بمهلة، حيث تجادل بأن العقوبات الاقتصادية المسبقة التحديد يمكن أن تعيد النفوذ الغربي وتضمن امتثال إيران للمفاوضات بحسن نية، بعيدا عن التسويف وشراء الوقت كما كان يحصل سابقا.
عادة ما تكون العقوبات التقليدية تفاعلية، حيث يتم فرضها بعد الانتهاكات بدلا من أن تكون إجراءات وقائية. على العكس من ذلك، فإن العقوبات المحددة بمهلة ستضع عقوبات مرتبطة بأوقات زمنية واضحة إذا فشلت إيران في تحقيق الأهداف المتفق عليها. هذا النهج سيؤدي لزيادة الضغط، فستواجه القيادة الإيرانية قرارًا لا مفر منه: الامتثال للاتفاقيات الدبلوماسية أو المخاطرة بالانهيار الاقتصادي والسيادي أيضا. كما سيساهم جدول زمني واضح للعقوبات في منع إيران من تمديد المفاوضات دون التزامات حقيقية.
لقد حدّ الاتفاق النووي “JCPOA” للعام 2015 في البداية القدرات النووية الإيرانية، ولكن تخفيف العقوبات لاحقا سمح بتثبيت اقتصادها دون وقف طموحاتها النووية بشكل دائم. وفي السنوات التي تلت ذلك، وسعت إيران بشكل متكرر مستويات تخصيب اليورانيوم إلى ما هو أبعد من الحدود المقبولة؛ ما زاد من استياء المجتمع الدولي، كما ستمنع العقوبات المحددة بمهلة إيران من استغلال الثغرات؛ ما يضمن المساءلة.
يجادل البعض بأن العقوبات الصارمة قد تؤدي إلى تصعيد التوترات أو انهيار دبلوماسي، لكن التنفيذ الاستراتيجي يمكن أن يقلل المخاطر من خلال ضمان دعم الحلفاء؛ ما سيمنع إيران من تصوير العقوبات على أنها عدوان أحادي الجانب من خلال قنواتها الإعلامية الموجهة. كما أنه يمكن لإيران تجنب العقوبات من خلال الالتزام بتعهدات قابلة للتحقق؛ ما يحفز التعاون من خلال موازنة التدابير الاقتصادية والدبلوماسية لمنع العزلة مع الحفاظ على الضغط في آن واحد.
(اقرأ المقال كاملا بالموقع الإلكتروني).
أما الجانب الآخر للخطة الأمريكية، حال عدم امتثال ايران بالاتفاق النووي، قد يؤدي إلى تبعات سياسية، اقتصادية، وأمنية على المستويات الإقليمية والدولية، والتي ستشمل إعادة فرض العقوبات بوتيرة أعلى؛ ما سيؤثر على قطاعات النفط والبنوك؛ ما سيزيد الضغط على الاقتصاد الإيراني المنهك أساسا.
كما سيكون هناك تصعيد للتوترات الإقليمية؛ فإسرائيل التي تعارض الاتفاق وتعتبر إيران تهديدًا نوويًا، قد تلجأ لعمليات عسكرية أو استهداف منشآت نووية إيرانية؛ ما يزيد مخاطر التصعيد العسكري. أما دول الخليج فقد تضطر لاتخاذ مواقف أكثر تشددا من المعتاد.
وأثار التقدم المستمر للبرنامج النووي الإيراني قلق الوكالة الدولة للطاقة الذرية التي أشارت إلى نقص الشفافية في مواقع نووية غير معلنة، خصوصا أن “بيرنات” زادت نسبة تخصيب اليورانيوم حتى ٦٠ % متجاوزة الحد المسموح به للمخزون؛ ما يقربها من القدرة على انتاج سلاح نووي. وهو ما أدى بطبيعة الحال لفقدانها الثقة الدولية. في الوقت الذي تنفي إيران سعيها لامتلاك أسلحة نووية، مشيرة إلى أن برنامجها سلمي، وتستند إلى فتوى من المرشد الأعلى بتحريم الأسلحة النووية كدليل على ذلك!
وسيؤدي عدم التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لعزلة دبلوماسية أكبر لإيران، خاصة مع فرنسا، بريطانيا، وألمانيا الذين عبروا عن “شكوك جدية” بشأن نوايا إيران مؤخرا، مما قد يعوق المفاوضات المستقبلية لإحياء الاتفاق أو التوصل إلى اتفاق جديد. وبطبيعة الحال فإن العقوبات المشددة ستفاقم الأزمات الاقتصادية في إيران، مثل ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة؛ ما يؤثر على المواطنين ويزيد الضغط الاجتماعي، وبالتالي الاقتصادي والسياسي والأمني. وسيحد فشل الاتفاق من الاستثمارات الأجنبية ويقلل فرص التعاون الاقتصادي مع دول مثل الصين.
تقدم إيران النووي قد يحفز دولًا أخرى في المنطقة لتطوير برامج نووية خاصة بها؛ ما يزيد مخاطر سباق تسلح نووي إقليمي؛ ما يقوض أهداف معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وقد يؤدي إلى ردود فعل دولية قوية، كما حدث مع كوريا الشمالية. كما أن عدم الالتزام قد يعرقل المحادثات الحالية من خلال الوساطة العمانية في مسقط وروما، حيث تطالب إيران بضمانات ضد انسحاب أمريكي مستقبلي، بينما تُصر الولايات المتحدة على تطبيق شروط صارمة.
وتمثل العقوبات المحددة بمهلة نهجًا عمليًا لمواجهة التقدم النووي الإيراني دون اللجوء للتدخل العسكري؛ فهي تقدم التوقعات الواضحة والمساءلة والدبلوماسية القائمة على العواقب؛ ما يضمن مشاركة إيران في المفاوضات بشكل واضح. وحسب ترامب فقد انتهى زمن التدابير التفاعلية على حد تعبيره، وهو ما كان الديمقراطيون يدعون له، من غير تحقيق أية نتائج تذكر، كما أن العقوبات القابلة للتنفيذ وفقًا للمواعيد النهائية ضرورية للأمن والاستقرار العالميين.
وعدم التزام إيران قد يؤدي إلى عقوبات أشد، وتصعيد عسكري محتمل، وعزلة دبلوماسية، مع تأثيرات اقتصادية داخلية ومخاطر انتشار نووي إقليمي. الوضع معقد بسبب انعدام الثقة المتبادل بين إيران وجيرانها والغرب بشكل عام؛ ما يجعل الحلول الدبلوماسية صعبة وبعيدة المنال. أما بخصوص العقوبات المحددة بمهلة فهي ليست مجرد أداة ضغط، بل هي أيضًا وسيلة لطمأنة الأسواق العالمية بأن إيران لن تتجاوز الخطوط الحمراء دون عواقب اقتصادية وعسكرية فورية، وشهدنا كيف تمكنت إيران من تجاوز القيود السابقة بسبب غياب ردود فعل صارمة، وتحديد مواعيد نهائية واضحة سيمنعها من استغلال المفاوضات.