حاول الكثير لي عنق التاريخ أن الإسلام جاء لبناء وتأسيس دولة إسلامية.
منذ عمر18 وأنا انقب في كتب التاريخ وأحضرت الفقه الإسلامي بشقيه السني والشيعي لمنصة النقد
ما قبل حسن البنا وسيد قطب إلى ما بعده. غربلت الفقه الشيعي وعرفت حزب الدعوة و بقية الأحزاب والتي كان منها من يوزع علينا حشيش أدلة ولاية الفقيه.
قرأت موسوعة سيد قطب “في ظلال القرآن“ وكتب المودودي في الخلافة، وركبت سفنا سياسية وحزبية، ومكثت سنين أريد أن أجد نصا معتبرا يدل على إقامة دولة إسلامية فلم أجد.
إقامة دولة إسلامية اخترعها بعض رجال الدين السياسيين. حتى الإسلام جاء كتشريع أخلاقي ثم فرض عليه لباس مرقع سياسي تم تفصيله في خياطة درزية المستفيدين.
لا يوجد نص لا عقلي ولا علمي يدل على إقامة دولة إسلامية؛ بل أرى أن كل النصوص المتواترة وليس المرسلة ”مصطلح ديني” تركت التشريع مفتوحا لاجتهاد الإنسان، والذي أراه دعوة لإقامة الدولة المدنية.
؛ لذلك هل وجدتم دولة دينية نجحت
أو أعطت صورة حضارية تواكب العصر وتلبي طموح الإنسان وتجلب له السعادة والرفاهية والحياة الجميلة؟
من إيران إلى أفغانستان إلى لبنان إلى اليمن إلى العراق إلى تونس إلى مصر، كل من حكموا من الإسلاميين أحزابا أو وصلوا للدولة، تتحول الدولة أو الحزب أو الميلشيات أو المنطقة الى مدينة أشباح؛ لأن الدين أي دين لم يأت لتأسيس دولة، وهذا ما يفسر حجم الفوضى والكوارث والضياع في كل منطقة يتم فيها زرع فكرة تأسيس دولة دينية؛
لذلك أنا دائما أنصح الدول والحركات من منطلق الخبرة والمحبة بتغيير فكرة أن ببناء دولة دينية تتحقق جنة الله على الأرض.
لهذا أقول:
أولا يجب التحرر من هلوسة هذه الفكرة عن حتمية الدولة الدينية إلى إلغاء الأحزاب الدينية و تسريح الميلشيات إلى تكثيف دورات للمسرحين بمنهج بديل حضاري حداثوي مدني مكثف.
٢-وقف فكرة التضخم النرجسي بالاستعراض على الدولة عبر بناء دولة داخل دولة والرجوع الى مرجعية الحكم لأي بلد والاحتكام لقوانينه ودستوره، وإلى مبدأ المواطنة لا الدين في تقييم الإنسان.
٣- توقيف ثقافة الارتطام بجدران العالم، واستعراض عضلات عنترة وشاربه المتين تجاه دول العالم من أمريكا إلى أوروبا،
وتوقيف الشعارات “ إللي ما تأكل خبز”، والدخول في لعبة التوازنات ونظام المصالح والواقعية السياسية بعقل وذكاء دبلوماسي وتوقيف القراءة الغيبية في فهم السياسية، كي لا يتحول مفهوم ”الانتصار” الى أقراص “باندول“ لتوقيف نزيف حاد في جمجمة الهزيمة.
٤- ترك المرأة لحالها في ممارسة القيم الكونية، والتخلي عن هوس أن المرأة مهما كانت عفيفة فهي مشروع انحراف مستقبلي.
هذا جحود لتاريخ المرأة الذي يثبت أنها أفضل أخلاقيا من تاريخ الرجل.
”تبهدلت” المرأة الإسلامية بسبب وسواس بعض رجال الدين الى درجة
أن كثيرا من النساء يعانين من اكتئاب خفي مغطى بـ ”نايلون” ملون مهرب من سوق شعبي، والبعض يعانين من انفصام حاد بسبب لعب أفكار الدينيين بكهربة المخ وتغيير السلوك الى أسلاك على سيرك كوميدي وتراجيدي.
٥- إيقاف ظاهرة نقل هيبة “الشيخ الوتد” أو “السيد العمَد”
ذي المكانة و العلمية الدينية و “الخبرة السياسية” في البيئة الدينية إلى ابن الشيخ أو ابن السيد الضعيف ذكاء وعلما وخبرة وخطابا
، ما دام يفتقر إلى مؤهلات المكان والممكن والمكانة ك
ظاهرة نقل المكانة الدينية متخلفة و
بشكل لا أحد يجرؤ نبش دفاترها معنويا وماديا، فلا أحد يفتح خزانة المال أو محاسبة “من أين لك هذا؟” في أوساط أبناء بعض رجال الدين أو الدعاة من كل المذاهب والأحزاب.
٦- إقامة علاقة متينة واستراتيجية مع الدولة، وترسيخ الثقة والولاء الوطني المطلق والدخول في تجربة الاندماج الكلي وعدم قبول أي شعار أو موقف خارجي يكون على حساب أولوية أو سيادة الدولة.
٧- فصل الدين عن السياسة و الرجوع إلى مبدأ لكل إنسان الحرية في معتقده ووقف هوس الوصاية على الناس، فالعلاقة مع الله عز وجل علاقة فردية وليس لأحد أن يتحول إلى قاض يوزع الأحكام على البشر،
مع احترام الأديان والمعتقدات للجميع.
٨- التخلي عن تهييج الجماهير وجرها إلى المسالخ السياسية مع ضرورة استبدال المسالخ إلى مسارح واستبدال فكرة الشهادة إلى فكرة السعادة، وتحويل الحاضنة بزرع الزهور لا القبور، وفتح الشباب على الحضارات لا الجنازات و ترسيخ مفهوم الاقتصاد والعلم كأهمية في عقول الشباب
أقول: كل الأديان تدعو لثقافة الحياة
فمن حق هذا الشاب أو الشابة الاستمتاع بالحياة وفق الأخلاق والقيم بالانفتاح على الفلسفة والعلوم الإنسانية و قراءة أفكار تنويرية مما أنتجته الحضارة الإنسانية مع الظهور باللباس الأنيق والذهاب للجم وسماع الموسيقى وحضور المسارح و قراءة الروايات مع الحفاظ على المعايير الأخلاقية البعيدة عن الأفكار الهوسية التي ليست من الدين في شيء.
أخيرا
قطع الكهرباء عن ثلاجة التاريخ وإلقاء أسماك قرش الأفكار الطائفية بين الأديان في البحر وترسيخ مفهوم الإنسان كمعيار قيمي وعدم النبش في الخلافات التاريخية.