يقول الفيلسوف الألماني نيتشه: “يغير الإنسان ملابسه مرة بعد مرة ليحافظ على نظافته، بينما يحتفظ بأفكار هي أشد اتساخا من ملابسه، والأغرب من ذلك أنه يدافع عنها“.
ومن بعد سيكولوجي، يمارس الإنسان انتقاما اجتماعيا بخطاب أو عدائية تأتي من اللاوعي حسدا للناس، أو قصورا لعدم قدرته على المشاركة في البهجة والفرح بسبب قيود ظاهرية هو فرضها على نفسه، فيكره فرحهم، ويبالغ في تضخيم الأمور إما لحزنه على ذاته من عدم قدرته على الفرح كما يفرحون من باب “ألعب وإلا أخرب”، أو لتمثيل شخصية ”الرجل الخارق” مثل عنترة بن شداد أمام “عبلة“ المسكينة، وذلك بنرجسية فاقعة تتكئ على الدين لإخفاء تشقق ذاتي في النفس أو لإرضاء جرح نرجسي بداخله على طريقة دكتاتورية دينية تقوم على توزيع شرطة دينية في اختلاط فاقع بين هيبة المكان أو المكانة.
هناك نظرية تسمى “التناقض الذاتي الداخلي“ فعندما تجد في المجتمع شخصا يتطرف في شيء، اعلم أنه قد يعاني نقيضه في داخل أعماق الذات. فقد يكون المتنسك يخفي بداخله شخصا مستهترا، وقد المبالغ في العدالة يعاني فسادا داخليا وهكذا، كمن يحاسب الفلاح على نقص حساب “طماطية” في الخمس أو الزكاة في حين هو سارق كل الأرض باسم الزكاة، وبعد موت الفلاح يتزوج زوجته الأرملة، ويستولي على الأرض و يقدم أبناء الفلاح قرابين في محرقة سياسية. عندما يدعونكم للزهد دققوا كم يمتلكون.
قال ذات يوم مثقف عراقي عن رجل دين عراقي: “يطالب الشباب بالزهد لكنه يعيش في أفخم الفلل الفارهة”. يتنوع في الزيجات، وإذا جاءه شاب يطلب مساعدة للزواج قال له: عليك بالصيام، فإنه يبعدك عن المعصية. يوصي الشاب بالحرص على الخمس أو الزكاة، ويصر على معرفة كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالمال المخمس، لكنه يخفي على هذا الشاب كم يمتلك في حساباته البنكية من أخماس، وهل ستورث أو لا؟
والسؤال: لماذا عادة أولاد وأحفاد بعض الفقهاء أو الوكلاء يعيشون في رفاهية من العيش، في حين أن فقراء المدن والقرى تنظر بحسرة وهي ترى تسييل الخمس إلى عقارات وسيارات وفلل؟ وللأسف إن أغلب الناس جزء من منظومة الغباء الاجتماعي التي تقوم بتخميس أموالها رغم أنها فقيرة، وتحمل على ظهرها أكياسا من القروض ورغم ذلك يضحكون عليهم بفرض خمس عليهم فقط كي يتمتع بها بعد ذلك ورثة المرجع أو الوكيل.
هكذا هي عندما يتحول الخمس إلى بقرة حلوب وإلى سيارات فارهة. ارجعوا لموضوع الخمس برؤية واقعية، لتعرفوا حجم التلاعب وضياع البقرة والحليب وحزمة البرسيم.
في كتاب “نظام التفاهة“ للفيلسوف آلان دونو، يركز على موضوع “ترميز التافهين“ وفرضهم على المجتمع. ومن المضحكات المبكيات في مجتمعنا تجد بروفيسورا محاضرا يستمع في مناسبة دينية لرجل دين لم يكمل الابتدائية، وتخصصه حيض ونفاس. رحم الله الدكتور الشيخ الوائلي والفقيه شمس الدين والمرجع فضل الله. فلماذا الناس لا تسأل هؤلاء لماذا لا تطورون أنفسكم ثقافيا وعلميا كهذه القمم بدلا من خطب أقرب لـ “صالونه بلا خضار”.
إنه الطريق إلى الجحيم، ووحدها التفاهة التي تجني أرباحا. يحلبون الناس طيلة العام أموالا من الولادة حتى الوفاة، وإذا أرادوا أن يفرحوا جلدوهم بسياط الفتاوى المتخلفة، ويكثرون عليهم فرحة عابرة صادقة.
أما على المستوى الاجتماعي: فهم يعانون من فشل ذريع حيث تمزيق المجتمع، ولقد تضخموا إلى درجة شتم الناس، وتهديدهم، وما أسهل اتهام الناس بعدم الحشمة، وعدم مراعاة الدين علما أن الناس مساكين يعملون ما يقولون لهم إلى درجة الجنون الغبي.
وبسبب الأمراض السيكولوجية يعاني بعض رجال الدين من الأوهام والهلوسة والاضطرابات الذهانية والانفصال عن الواقع، والاختباء وراء الدين لتمرير أفكار تراكمت نتيجة أوجاع نفسية، واضطرابات نفسية
وكل عام هناك وجبة شهية من المجتمع لتقطيعها وعزلها ومحاصرتها وإلغائها من المجتمع. أما المرأة فيا حبهم لمحاربتها وعدائها، فإنهم يروجون إلى أفضلية بقاء المرأة في المنزل عن العمل بحجة الاختلاط، ويحاصرونها حتى بنوعية لون لباسها، ويقفون ضد قانون الأسرة لتبقى تحت رحمة فتاواهم الاستاتيكية.
أما سياسيا: فقد فشلوا فشلا ذريعا، فخطابات بعضهم لا يقود إلا لسجن أو منفى أو مقبرة، وحولوا الناس إلى وجبات شهية للاحتراق والمحارق دون أي حكمة أو حنكة سياسية من مغامرة لمغامرة، ولم تسمع يوما واحدا قدم اعتذارا على خطأ كارثية قرار. وفوق ذلك لا يريدون لهؤلاء الناس الفرح.
أما ثقافيا: فهم يقومون بتكرار خطب بلا أي دسومة علمية، خالية من لغة الأرقام أو التحليل العلمي أو النظريات العصرية أو حتى قراءة نقدية للتاريخ، فالخرافة سيدة الموقف في الخطاب.
أما عن الأجيال، فقد تم انتزاع كل شبكات الأمان التي كانت تتمتع بها الأجيال السابقة والآن جاء دور الأجيال الجديدة.
السؤال:
- لماذا لا تتحدثون عن ثقافة الحياة وتدفعون الناس نحو حب الحياة والفرح والمرح والبهجة؟
- لماذا أنتم مهووسون دائما بما يتعلق بظفر أو كعب المرأة؟
- أين النخوة في توريث الأخماس، ولماذا أغلب وكلاء المراجع هم وأبناؤهم يعيشون البذخ، فأين الدين في ذلك؟
- لماذا التنغيص في المناسبات السعيدة من عيد الفطر إلى مناسبات الفرح الدينية حتى وصل بكم الأمر إلى الإكثار على الناس حتى الفرح بالمباريات؟
- من جعلكم أوصياء على الناس وتخويفهم وتهديدهم إذا لم يستمعوا لهلوساتكم؟
ختاما أقول: نحتاج إلى رجال دين وسطيين طيبين بعيدين عن السياسة، ولا يعانون من أمراض نفسية، ومثقفين ويركزون على حب الحياة، ومواكبين للعصر، ووطنيين غير مرتهنين لأي نظرية سياسية، و يجمعون قلوب الناس ويحبون الحياة ويحببون الدين الوسطي الجميل لعباده.
إنهم موجودون في كل طائفة ودين، لكنهم قلة يحتاجون للإفصاح عن أنفسهم وعدم الخوف وكسر خوف المجتمع وتشجيعه على التمرد على التطرف الديني الهوسي، ولا يقبل أن يخوف باسم الدين على حساب سعادته ورضا ربه عز وجل. الإسلام دين الوسطية لا دين تطرف.