ظلت عزيزة هي السعادة على كثير من البشر، وأغلب البشر يتحايلون على الوجع باستئجار قناع السعادة المزيف بدلًا من التعاسة بهوس ديني يتستر على التقوى البلاستيكية المغطاة بدلًا من موت الإيمان، أو بثوب حريري بمظهر يعكس اضطرابًا هستيريًّا، أو بتضخم مالي في حساب بنكي هروبًا من فشل داخلي يشي بوجود كيس ألم قابع في قاع محيط اللاوعي، أو بمنصب رفيع يختبئ ببطولة مزيفة عن فراغ داخلي مميت، أو بشهرة فاقعة تغطي تدفق النزف، أو بإظهار رومانسية ممسرحة فاقعة لحبيبين عبر السوشيال ميديا لإخفاء حجم الإحباط في العلاقة.
من السعيد إذن؟
الفلاسفة الذين نظّروا للسعادة و99 % منهم تعساء، أم الأغنياء الذين صنعوا لهم مع تضخم المال تضخم الأمراض النفسية التي تأتي كـ “بكج” مع أمراض المال، أم هم الفقراء الذين يغطون التعاسة بالتحايل على ألم الواقع المُر بحشو القناعة بصناديق المغيبات أو بصناديق الهزائم المهرّبة بغش الانتصارات الخائبة؟ أم الحمقى كما يقول المتنبي:
“ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ
وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ”
وهذه إحدى مغالطات المتنبي التي زُرعت في عروقنا الخائبة؟
أنا من أنصار مقولة الكاتب الروسي أركادي فاينر حين قال:
“أغلى شيء في العالم هو الغباء؛ لأنه إذا كنت غبيًا فعليك أن تدفع ثمنه كل يوم”.
أنا لا أجد السعادة في أيديولوجية بعينها أو نظرية خاصة، أو في شهرة، أو منصب، أو مال، أو حب، أو صحة.
نظريتي في السعادة هي الحصول على “بكج” كامل دون تعلق بأي شيء منها كما يقول المتصوفة: “وذروة التحرّر.. أريدُ ألّا أريد”. أو كما هي فلسفة شوبنهاور بقوله: “تكمن الحقيقة الجارحة أن الناس لا يقدّرون من يحتاجهم، بل من يبدو مكتفيًا بذاته”.
السعادة في التوازن: أن تحب الله حب الأحرار بلا فوبيا، وأن تحظى بقيم إنسانية لا لقلقة نصوص، وأن تعيش الحب بلا شروط، وأن تمتلك أناقة الداخل قبل الخارج، وأن تمتلك مالًا يكفيك سياط الفقر وذل حاجة الناس، وأن تمتلك ترسانة معرفية كصيدلية ثقافية متنوعة مبنية بداخلك تأخذ من كل شيء قطع جواهره لا صدأ أفكاره و “فالصوها”، وليس على طريقة “أخو الشقاوة” على رأي المتنبي، وأن تمتلك موقعًا يلامسك لمجد توزع من خلاله إنسانيتك لا غرور نرجسيتك، وتجد فيه ذاتك، وأن تكون على صحة عقلية ومناعة نفسية. هذا ما سميته “بكج السعادة” عبر كوكتيل الحياة.
أنا لا أجد بايدن سعيدًا، ولا السنوار كان سعيدًا، ولا ترامب سعيدًا، ولا إيلون ماسك سعيدًا، ولا محمد مرسي كان سعيدًا، ولا أنجلينا جولي سعيدة، ولا مايكل جاكسون كان سعيدًا، ولا أغلب الفلاسفة سعداء، فلدي وجهة نظري السيكولوجية لكل هؤلاء.
السعادة هي حب على هيئة قلب تمتد إليه شرايين الإيمان والمجد بخدمة البشرية، والإنسانية، والمال، والمجد، والصحة، و”النظر إلى الحسن من كل شيء” كما هو قول الخليفة العباسي السابع المأمون بن هارون الرشيد، الذي قال:
“إني أجد ملذات الدنيا ذات ملالة (تسبب الملل) إلا سبع:
لحم الضأن،
وخبز الحنطة،
والثوب الناعم،
والرائحة الطيبة،
والماء البارد،
والفراش الموطأ،
والنظر إلى الحَسن من كل شيء”.
السياسيون ليسوا سعداء، والمشاهير، والأغنياء، والفقراء، والفلاسفة إلا ما ندر. فمن إذن السعيد؟
هم أصحاب “البكج” المترجم بكوكتيل الحياة.
فهل عاش هؤلاء سعداء؟
فهل الفلاسفة كانوا سعداء؟
فشوبنهاور عنده عقدة كراهية الأم فانعكس على جزء من تشاؤمه.
الموسيقار تشايكوفسكي عنده عقدة الهوية الذاتية فأصبح مرعوبًا.
بيتهوفن عقدة ضرب الأب. جان جنيه عقدة هوية، وشعوره بكراهية فرنسا له. أوسكار وايلد عقدة هوية.
روسو ولعه بالنساء وكراهية حمل مسؤولية تربية أولاده.
سارتر فوضى الجنس.
تشارلز ديكنز عقدة حب شابة في سن ابنته.
فيكتور هوغو يعاني من ألم سياط القدر.
فرجينيا وولف عقدة وحش الطفولة بسبب تحرش الأخ، إلخ.
نظرياتهم مليئة بالثقوب بسبب ظلال جزء من التعاسة، فسبّب ذلك عدم التوازن. فولتير تطرف في المادية، شوبنهاور في التشاؤم، ألبير كامو في العدمية، سارتر في الوجودية، ميكافيلي في البراغماتية، بيكاسو في الأنانية، لوركا في الرومانسية. لهذا كلهم عاشوا فوضى ثنائية اللذة والألم بسعادة شبه ميتة.
كذلك هم كبار دعاة الدين لم يكونوا سعداء إلا ما ندر، وإذا أردت أن تكتشف ذلك جرّب فقط طرح سؤال مخالف لرأي مرجع أو داعية، ستجد أمامك بركانًا بشريًّا منفجرًا يشي بقلق داخلي، وبنفس غير مطمئنة وتعاسة متسترة بالزهد إلا ما ندر.
السعادة هي التوازن في عشق الله وحب الإنسان، وإنسانية العمل لخلقه، وثقافة الحياة، والتحرر من التعلق بالأشياء، و”بكج كامل” بكوكتيل الحياة.