العدد 5938
الخميس 16 يناير 2025
كي لا يتحوّل الشباب إلى كباب!
الخميس 16 يناير 2025

لتنجح أي دولة لابد من تشريع قانون تحريم دخول رجال الدين في السياسة، وفصل الدين عن الدولة، مع احترام وحرية كل دين ومذهب.

إن رجال الدين من كل الطوائف والأديان غير مؤهلين لقيادة إدارة مزرعة دواجن فضلا عن إدارة دولة؛ لأنهم بمجرد وصولهم إلى السلطة سيدخلون في ثقافة الفتاوى، وهناك فرق كبير بين العقول الفتوائية والعقول الاستراتيجية لإدارة الحكم.

أقول: بمجرد وصول رجال الدين إلى السلطة، سيسقطون في فوبيا حرية المرأة، وعفريت خوف عدم حجابها، وكراهية الموسيقى والغناء، وسيتخذون من الحداثة عدوًا، ومن الجمال بعبعًا، وسيرتعدون لو أن فتاة ذهبت إلى مقهى أو لبست ثوبًا جميلًا أو وضعت عطرًا، وسيفرضون عليها وهي في عمر الثامنة لبس حجاب وعباءة، رغم أن كل ذلك ليس من الدين في شيء.

أغلبهم فنانون في التنغيص على حياة الناس وتكريههم في الحياة، وتحريم  أبسط أمور السعادة والاستمتاع على الناس، وبلغ بهم الهوس المرضي إلى التدخل في التنغيص على الشباب حتى في الاحتفال بفوز في مباراة أو جلوس في يوم خميس مع الأهل، أو التصفيق فرحًا في عرس، أو سماع أغنية عابرة لفيروز أو وضع امرأة مسكينة لحجاب ملون!

لا توجد لا آية ولا رواية تفرض على المرأة لبس اللون الأسود، بل المرأة لها الحق في الاختيار.

ما هذا الغثيان ومن أعطاهم حق التدخل بشؤوننا؟

وإلى متى تبقى الناس صامتة ولا تكسر حاجز الخوف؟

بالتوازن والقيم والإنسانية نستطيع أن نعيش ثقافة الحياة مع التقرب إلى الله عز وجل.

هؤلاء الجنرالات الدينية ليس لهم حق فرض عدم التجول للشباب في مدن الجمال وعواصم السعادة.

إنهم مهووسون بالشكليات على حساب الأساسيات.

عدا عن “تخبيصهم” في المنظومة القيمية، فـ “تخبيصهم” في السياسة أشد خطرًا.

يتعاطون مع أخطر القضايا السياسية كضربة حظ أو تنفيس غضب، تمامًا مثل رمية نرد لطفل غضبان على طاولة في حضانة.

هكذا هم، يقامرون بدماء الناس دون حساب لما ستؤول إليه الأحداث، يلقون النرد على طاولة المراهقات البائسة في كازينو السياسة.

وكلما تمكنوا سيجرون معهم حماقات الصراعات التاريخية وتسجيل الأهداف التاريخية على طريقة:

من فاز بـ “الكلاسيكو”؟ الشيعة أم السنة أو العكس؟

وتتحول الجماعات إلى ميليشيات، وتستحيل الدولة إلى مسجد، والصالات الرياضية إلى مقرات إعدام، والسينما إلى مراكز للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبدأ شرطة العقيدة النسائية تعطي لنفسها حق الوكالة عن الله بتوزيع العباءات السود على الناس بفرض دكتاتوري مخيف يعكس حجم الوقاحة في التدخل بخصوصية الناس والأقليات وادعاء تمثيل الله.

وهذه الأساليب إذا لم تنتبه لها سوريا الجديدة فسيكون مصيرها مصير أي دولة دينية تحوِّل فرصة الانتصار إلى انتحار، والمسرح إلى مسلخ، وأعلام الشعوب المنتصرة إلى أضلاع شعوب منكسرة.

ذاك ما حدث في خطأ عدم إقامة دولة الحداثة في إيران، وذات الخطأ تكرر من كارثية خطأ الإخوان المسلمين في حكم مصر وتونس، وزقاقية حزب الدعوة في إدارة العراق، ومراهقة الحوثي في اليمن، وانتحار “حماس” في طوفان غزة.

الدول الدينية تمتلك قدرة فائقة على دفن الزهور في القبور حرام أن يُدفن شباب يضج بالجمال ليكون تحت الرمال.

وفي السياسة، فإنهم قادرون على تحويل الشباب إلى كباب يخرجونه من ثلاجة الحزب لشويه لأي حفلة عرس، وجباتٍ تُقدم ضمن مشويات الباربكيو السياسي.

نعم، يمتلكون قدرة على تحويل أماكن العبادات إلى زنزانات، والأفكار إلى سجون، والجمال إلى رمال، والتحفيز إلى تخويف، وبقدرة قادر يصبح الواحد منهم ضابطًا شرسًا يتحسس مسدسه من كلمة ثقافة أو حداثة أو حضارة أو جمال.

يصابون بحساسية مفرطة في الرقبة من الحرام إلا في الدم أو تفريق المجتمع الواحد أو في جباية جمع الأموال لهم ولأحفادهم العاطلين، أو التفاخر في اصطياد الاستئناس بجمع أكبر عدد من النساء في حظيرة الحريم والبرسيم.

ليست هكذا هي القيم التي أجمعت عليها الأديان.

تلك قشور وقبور وليست حضارة.

كما يقول نزار قباني:

“خلاصة القضية تُوجز في عبارة:

لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية”.

إن الدولة تنجح بفصل الدين عن الدولة، مع التركيز على المدنية والعلم والاقتصاد، وإعطاء الحريات الدينية مع فصلها عن الدولة، مع الانفتاح الحضاري الإنساني على الأمم والشعوب والحضارات.

هناك فرق بين دول الآفاق ودول الأنفاق.

أقول ذلك كي لا يتحول الشباب إلى كباب.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية