هكذا تنقلب الموازين عندما يزاحم العناد الحكمة، وعندما تتضخم الأنا قبال نحن، وعندما يثير الكرسي شهية البقاء ونزوة الإغراء.
كانت بيد بشار الأسد المفاتيح والأختام وبصمة الخاتم ونهاية الختام، إلا أن الانفصال عن الواقع، وتضخم الذات ومحيطي الجشع الذين يرفضون أي تغيير، ساعد على اكتمال نعش حقبة كبيرة من تاريخ عائلة الأسد.
عندما كنت أشاهد خطابات بشار الأسد أشعر بالحزن والأسى، فهي توشي بأن بشارا أشبه برئيس مهرب من كوبا أو يلبس ثياب جيفار أو أنه يتحدث بلسان عبدالناصر، دون مراعاة موازين القوى وتغيرات الزمن.
أكثر تشوهات التحالفات في التاريخ عندما يتحالف نظام أشبه بالعلمانية مع نظام ديني متزمت. ودائما كنت أجد أن مثل هذا التحالف يقود إلى إغراق العلماني في توريطات الديني، حيث إن الأول يسبح بنصف بركة من الـ “جوكليت” العلماني، والآخر يتوضأ بماء ورد الغيبيات.
إذا أردت أن تضيع أمة فاجعلها تفسر الواقع تحت تأثير حشيش المغيبات أو افيون الحداثة المزيفة.
ثلاثة أمور أغرقت الأسد: الاستبداد، إيران، وفلسطين.
دائما أتساءل، لو كان الفلسطينيون مكاننا نحن العرب أو الخليجيين، هل سيقدمون كل هذا الذي قدمه العرب خصوصا، ونحن نرى تغير جلود بعض قاداتهم أمام المنعطفات الخطيرة؟
السنوار هو وراء كل هذه الانتحارات، من دمار غزة، إلى دمار لبنان، إلى سقوط الأسد، والسلسلة ستصل لدمار اليمن، حيث رومانسية الحوثي ولعبه بأعواد كبريت ستحرق اليمن عاجلا أم آجلا، وقد تصل لسقوط إيران إذا لم تخفف من خطابات هائجة ولا تعيد قراءة المشهد الانتحاري برؤية نقدية بعيدا عن دق طبول الانتحار على أنه انتصار.
لعبت إيران بتحريك الجمر، بالنفخ في شرر، ومنح “عضلات” على أن هناك “مقاومون سوريون” ما زالوا في سوريا صامدين.
هذا خطاب خطأ يعيد تكرار خطابات لرتبتي حداثة، فهو يقود لفتنة طائفية في وقت سوريا أحوج ما تكون إلى حرق أوراق الطائفية، وتضخيم الأمل وتشجيع الجميع على الحداثة والتنوير.
أنا لا أصدق أصحاب الإسلام السياسي سنة وشيعة؛ لأن الأدلجة تقودهم نحو هوس الوصاية وادعاء الحقيقة المطلقة، وأنهم وكلاء الله وبيدهم أختام محاكم السماء.
لذلك كل عمليات التجميل في سوريا ستزول كما زالت من أول سنة عن وجه ولاية الفقيه في إيران سنة 1979، إلا إذا حدثت معجزة، وأنا لا أثق في المعجزات الفكرية؛ لأنها تحدث عبر تراكمات فكرية نقدية.
الأمل في سوريا سيكون إذا لم تلتجئ إلى: فرض الحجاب بالقوة أو إلغاء الأقليات، وقمع المخالفين، أو ترسيخ حكم الفرد الواحد، وإذا عمدت إلى تعددية حقيقية وليس وجود “فلتريشن” من قبيل مجلس خبراء ومجلس صيانة النظام، وكلها وسائل فرملة لأي مخالف.
أن يتم التعاطي مع أي شخص من النظام السابق بمنطق القانون والمحكمة.
أن يكون عمران الداخل اقتصاديا أولوية، والابتعاد عن تبذير أموال الشعب على صناعة جيوب خارج الدولة، ونشر السلاح خارج الوطن.
الخروج من قبضة التاريخ وهوس الخلافات التاريخية واستدعاؤها على أنها الحقيقة المطلقة، وبقية المخالفين من مذاهب وطوائف شر مطلق.
إيران: نصيحتي لإيران ترك الخارج والعمل على العمران الداخلي، ورفاهية الناس، وفتح إيران على الحداثة والانفتاح على الثقافة الغربية، والتصالح مع الغرب وأميركا والعالم، خصوصا الجيران العرب والخليج، وجعل الشباب يعيشون متعة الحياة، وإلغاء نظام الميلشيات، والتصالح مع الجيران العرب، وحصر الدين في المساجد، وقصر دور رجال الدين فقط على الصلاة، وجعل التكنوقراط والمفكرين يشاركون في تحديث الدولة فكريا، وفصل الدين عن الدولة مع الدعوة للقيم الكونية.
سوريا: وأنصح الحكم الجديد في سوريا بترسيخ المواطنة والحداثة وفصل الدين عن الدولة، وعدم فرض لون واحد، مع إشراك الأقليات في الحكم، وعدم جر ألغام طائفية من التاريخ، ولابد من مبدأ المحاكمات القانونية، مع حفظ مقدسات الأقلية وحفظ العلاقة مع العرب والتركيز على الاقتصاد، وعدم فرض الحجاب، وإلغاء أي تمظهر لممارسات ما يسمى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتشريع دستور حديث يرسخ على المواطنة والحداثة.
لبنان: نصيحتي لبعض الشيعة في لبنان الرجوع للدولة كخيار، والابتعاد عن ممارسات صناعة دولة داخل دولة، والابتعاد عن إدخال شباب الجنوب في محارق جديدة، والرجوع لثقافة الحياة والشهادة الجامعية بدل مشروعات الموت سواء لفلسطين أو غيرها.
البحرين: أتمنى من مرتادي جامع الصادق في الدراز ترك الشعارات السياسية، فهي لا تخدم أحدا، وجعل المسجد للصلاة فقط لأجل البحرين ولأجل الجميع، وكفاية توترات، وأتمنى الاتعاظ مما يحدث في المنطقة.
عام جديد نتمنى فيه أن تسود الحداثة والتنوير والإنسانية وثقافة الحياة الجميع، خصوصا على سوريا الحضارة والعراقة والتنوير والجمال والإنسانية، فكي لا يبتلعنا تمساح التاريخ، علينا أن نركب سفينة الحضارة والحداثة والتنوير.