العدد 5903
الخميس 12 ديسمبر 2024
banner
الطريق إلى الجحيم
الخميس 12 ديسمبر 2024

آه يا عمري يا سوريا! حماكِ الله.. كل شيء في سوريا سيتغير كما حدث في إيران بالعام 1979. سقط نظام استبدادي فاسد متسلط بعثي، لتبدأ مرحلة نظام ديني استبدادي جديد. سقطت الفاشية البعثية لتحل مكانها الفاشية الدينية. سقط المسرح ولم يتغير الممثلون. إن حال السوريين ينطبق عليه قول الماغوط: “أنا مثل السجين الذي ظلّ عشرين عامًا يحفر نفقًا في زنزانته، ثم اكتشف أن النفق الذي حفره يؤدي إلى زنزانة أخرى”. ظل السوريون يحفرون نفقًا في زنزانة البعث، ثم اكتشفوا أن النفق الذي حفروه أدى بهم إلى زنزانة الإسلامويين. هكذا هم جميعهم.

اسمعوا شقشقتي الجارحة، كنت مسكونًا بهلوسات دينية، أتعاطى حشيش الثورات الدينية، وأقراص غيبية مهربة من خيام الإسلاميين.
يوم ذهبت لألقي محاضرة في العام 1992 أمام جمع من الناس، وأنا في عمر 22 عامًا، ملقيًا عليهم محاضرة بعنوان “الإسلام هو الحل”.

كنت مسمومًا من وجبات الإسلام السياسي الدسمة الممزوجة بطعم الكافيار والزعفران، التي كنت أبتلعها، وأنا أدرس على مائدة ولاية الفقيه في إيران، حيث كان كل شيء يقوم على تعليب العقل. كان الشراب ثوريًا، والكافيار معبأ بالثورة، وكانت صور “جلو الكباب” تشبه ظلال أعمدة المشانق على موائد الموت.

في اليوم الثاني من وصولي إلى قم، كانت هناك امرأة تصرخ من تحت الركام، وكانت تُرجم بالحجارة كحد شرعي. من هنا بدأ ضوء التشكيك ينفذ إلى غرفتي المظلمة.

تراكم ضوء الشك من الهجوم على بيت المرجع منتظري إلى الإقامة الجبرية على المرجع الشيرازي، الذي زرته قلقًا للوصول إلى بيته، والجلوس معه.

ذات يوم، رأيت كيف أن إيران تلقي ببعض العراقيين في صفقة على حدود العراق كهدية لصدام، إلى شتم خاتمي في الانتخابات الرئاسية، إلى رؤيتي كيف يتم جمع التوقيعات من قبل المراجع - وبعضهم مرغمون - لإجماع توقيعات شطب السيد فضل الله من معادلة البيت الشيعي، على أنه “ضال مضل”، فقط لأنه عربي ومنافس شديد للمرشد على استلام مفاتيح وأقفال البيت الشيعي.

ما بين كل هذه التناقضات، كانت تصل إلى مسامعنا، ونحن في إيران، وجبات الإعدامات لشباب في عمر الزهور، إضافة إلى خطيئة فرض الحجاب بالقوة على الإيرانيات، وما إلى ذلك.

كل هذه التناقضات كانت تتراكم كصدمات بداخلي في طريقها لانهيار المنظومة بأكملها، ولعدم الإيمان بشيء اسمه إسلام سياسي ودولة ملتحية سنية أو شيعية.

هنا بدأت مفاهيم الدولة الدينية تتساقط كحجارة فكرية من قلعة عقلي، وينزرع مقابلها تحت الركام ورد صغير جدًا يبحث عن خلاص أبدي.
نعم، كانت هناك في صحراء عقلي الباطن نبتة تبحث عن ضوء معرفة للخلاص.

في العام 1996، سقط تمثال الدولة الدينية في عقلي بأكمله. هنا شعرت أنني لا أشبه هذا المكان ولا يشبهني.

ولكوني محبًا للإمام علي (ع) وأهل البيت (ع)، قلت: إن المشانق لا تشبه أبدًا أعمدة عدالة الإمام علي (ع).

حزمت أمتعتي للرحيل، فرجعت إلى البحرين ملتحقًا بسفينة ميثاق العمل الوطني.

وتيقنت أن ولاية الفقيه خرافة تم تشكيلها لتناسب مع نظام قومي، أكثر ما يسعى لجعل شباب الشيعة حطبًا لمحارق في مغامرات لن تنتهي، ولن تنتهي، ثم يتركهم هم وقراهم في العراء، كما حدث هذا العام في لبنان وأخيرًا في سوريا.

كما تم إلغاء المرجع شريعة مداري، وتكسير المرجع منتظري، وتشويه خاتمي، وحرب على المرجع فضل الله، والإقامة الجبرية الآن على المرجع كمال الحيدري، وتم التخلي عن السيد حسن نصر الله، والآن عن بشار الأسد؛ من أجل مصلحة إيران القومية.

قبل 30 عامًا اكتشفت الحقيقة المرة: أن إيران تستخدم الشيعة ولا تخدمهم، وأن إيران ستظل تقاتل بآخر عربي.

بقيت أسبوعًا في العام 1996 لا أنام، وأنا أقلب صفحات الدولة الدينية وصدمة الحدث، لكن الصدمة قادتني للخروج من غيبوبة الإسلام السياسي إلى جنة الإنسان والعقيدة الإنسانية.

ومنذ ذلك الوقت، وأنا أقول: الدولة الدينية خرافة خرجت من جيب رجال الدين والإسلاميين من سنة وشيعة، وسابقًا من المسيحيين. هي بيزنس سياسي لدكاكين دينية توزع مخدرات دينية وهلوسات سياسية منثورا عليها أفكار عقائدية محروثة من مزارع تنبت حشيشًا، يتم حرثه وحصاده من مزارع عقول رجال الدين، بشكل خرافات لغسل أدمغة الشعوب، من أجل انتفاخ كروش الهيبة المصنعة والمحشوة بالخمس المتوارث لأبناء بعض الوكلاء، والزكاة المهربة حسب تركيبة الطائفة. هكذا هو الإسلام السياسي من شيعة وسنة.

أحب سوريا، وعشت فيها، وأعشق ترابها، وتشكّلت ذائقتي من أدبائها كالماغوط وقباني، وقرأت لمفكريها كصادق جلال العظم ومحمد شحرور، وغيرهم.

عندما تقوم بتفكيك شفرة الـ “DNA” للفكر الديني، ستجد شهوة الكرسي والذبح على الهوية.

هكذا كانت المسيحية السياسية الملتحية تعشق المشانق، وكذلك اليهودية السياسية، والآن الإسلام السياسي.

أنا لا أرى في سوريا بصيص أمل مع ما يحدث، وأتمنى أن أكون مخطئًا.

فالبداية بدأت بتحول التلفزيون الرسمي من صوت فيروز إلى أناشيد دينية، ورائحة التاريخ المخيفة بدأت تخرج من الحروف رغم المكياج الحضاري الذي يلون الخطابات والإرشادات.

فما رأيته في إيران، وفي طالبان أفغانستان، وتجربة الغنوشي في تونس، ومرسي في مصر، وحزب الدعوة في العراق، والحوثي في اليمن، وداعش في العراق، وغيرها، كلها تنتج ذات السمّ؛ لأن الحمض النووي واحد لكل هؤلاء. يبدأون كفراشة زرقاء، وإذا تمكنوا، يخرجون العفريت الأزرق. ذات يوم ستتذكرون كلامي. وهؤلاء مثل الإيرانيين، يوم تمكنوا فرضوا الحجاب بالقوة، مات الفن، وذبحت الثقافة، وضاعت الحضارة، وشنق الجمال. هؤلاء سوف يفعلون أيضًا.

ذات يوم سيكسرون آلات الموسيقى، سيتلصصون من فتحة الباب على الناس، وسنرى سوريا لا تشبه نفسها، وهي تقاد إلى المسلخ.

اسمعوا خطاب “حليف الأمس”، رئيس حركة حماس السيد خالد مشعل، وهو يبارك لأهل غزة ولسوريا سقوط الأسد.

كم أنتم مساكين عندما تقدمون الأبناء والدماء على حساب أوطانكم من أجل شعارات فارغة وكاذبة، سرعان ما تكفن قبور أبنائكم بالضحك عليهم من قبل قادة مثل خالد مشعل وغيره! متى تستيقظون؟ هذا هو مشعل سيد القضية الفلسطينية الذي ترفعون صوره على حساب أوطانكم واستقرار بلدانكم. ليتكم تعلمون.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية