نتحسس جمر الاحتراق ونحن نسير على خارطة الشرق الأوسط، التي تسير على حبل مشدود بين مصالح معقدة بين برغماتيات ودوماغوجية الدول التي تجيد فن اللعب بتوزيع السم والعسل في لعبة التوازنات، بين الحقوق و “النفوق البشري” وبين جوالة الموت ممن يقومون على تسييس الدين.
هذه الحرائق المتنقلة لشهيات ليس لها حدود في اقتطاع أجزاء من الخريطة العربية المقطعة ككعكة عيد ميلاد ثمنها باهض، ولو كان الثمن تحول المناطق الآمنة إلى بخار ورماد وتراب وشتات الشتات.
قالها أنيس منصور ذات يوم “السياسة فن السفالة الأنيق“، إنها نوع من الإباحية السياسية المغلفة بالأحجبة.
مقولة أنيس منصور طالما وضعها ميكافيللي في كؤوس خمر عباراته المعتقة من كتابه البرغماتي (الأمير).
هذه قصة الشرق الأوسط، طالما هناك عصافير جميلة سيكثر الصيادون، وطالما هناك مناجم ذهب سيتكاثر المنقبون.
لا شيء يوجع قناعاتي الثقافية مثل رؤية تعملق الإسلام السياسي بكل أطيافه وحمضه المذهبي؛ لأني على يقين من أن تعملق الإسلام السياسي أيا تكن دورته الدموية المذهبية يقود إلى ضياع الحداثة، وضعف الحضارة، وإضعاف الدولة.
أنا من دعاة ما لله لله وما لقيصر لقيصر حبا في الدين قبل أن يكون خوفا على الفقراء والدولة والحضارة.
وخرافة الدولة الدينية جزء من ضياع حتى الدين.
لذلك أنا من دعاة فصل الدين عن السياسة، وأن دور الدين الوعظ الديني وبحدود دون رمي الحرية الشخصية للإنسان هدية على موائد المتعصبين يقضمونها كما يقضمون الجواري الحسان.
أنا مع الوعظ وليس العض، لذلك لا أؤمن بشرطة عقيدة تتلصص على الناس من فتحة الباب، ولا أؤمن بفرض الدين بقوة الكرباج.
تجربة أفغانستان تتكرر بصور مختلفة، وتتنقل بين الدول، وكذلك الإخوان المسلمون في مصر، وحزب الدعوة في العراق وعنتريات الصدر إلخ كلها غير صالحة للحضارة، فهي تبحث عن فريسة خرائط تسد تاريخ الجوع والعطش الطويل لإقامة “الدولة الإسلامية الموعودة “ ونشوة الحكم وجاذبية الكرسي الموشى خداعا بأغلفة الزهد وماء الوضوء. (
والأفضل للشعوب الإسلام الشعبي الطيب الرصين، المتسامح البعيد عن السياسة، إسلام الأجداد المتمسكين بالأصالة، والمتصالحين مع الأديان والأوطان وعلى علاقة وطنية بدولهم وحكامهم، ولا يؤمنون ببناء دولة داخل دولة، ويربون أبناءهم على الأخلاق والقيم والتسامح والعلم والتجارة والاقتصاد، وغير متوترين تجاه الحداثة.
كخليجيين، يجب أن لا نشرب ذات كأس المر المسموم الذي شربناه لسنين طويلة، والذي ما كان آخره سم الربيع العربي.
نحن بحاجة إلى ثقافة سياسية تقوم على فكر جون لوك وفولتير وروسو وبرنارد راسل وزيلاند وديفيد هاوكنز؛ لإعادة فهمنا للحياة، بدلا من النوم على سرير الماضي، فنصاب بذبحة صدرية من هلوسة عقدية لا تتوافق مع الواقع.
لا نريد حكومات ملتحية لا شيعية ولا سنية، لا يهودية ولا مسيحية، يحكمنا بشر يدعون أنهم وكلاء عن الله.
دولنا في العالم العربي وخصوصا في الخليج حداثوية تحترم الدين وتتبنى الحداثة، فلا داعي لعنتريات دينية.
يقول أليكسي بيكوف “نجنا يا رب، من الذين يعتقدون أنهم ينفذون مشيئتك “، ويقول الأديب السوري محمد الماغوط (عمرها ما كانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا مع الذين يدعون أنهم بعد الله).
نحن في الخليج نمتاز بنعمة الأمن والأمان لذلك يجب أن نحافظ عليها، ونحافظ على مكتسباتنا، ونبني عليها مبتعدين كل البعد عن إقحام الدين في السياسة.
يقول نزار قباني: أنعي لكم كلامنا المثقوب كالأحذية القديمه أنعي لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمه.
لبنان بحاجة إلى إعادة هيبة الدولة وترسيخ الدولة كقوة بعيدا عن مشاريع إقامة دولة داخل دولة، وسوريا لا تتحمل مزيدا من الحروب الأهلية، والانقاسامات الجغرافية فتقطع مثل كعكة (Sponge Cake) باسم الإله.
القمة الخليجية الأخيرة في الكويت ركزت بقادتها على خيار الوحدة العربية، والتماسك الخليجي والعربي والعالمي، ونحن كخليجين دائما وأبدا نتطلع للنجوم بحكمة قادتنا، قادة مجلس التعاون الخليجي.
المتطرفون - أيا يكن حمضهم النووي - في شهية متزايدة لقضم التفاح السياسي المبعثر على أرصفة الانقسامات، لكن عليهم البحث عن سوق خضرة سياسي ليس في العالم العربي أو الخليج.