الديمقراطية هي طبخة لذيذة فيها من الخضراوات الصحية، وكذلك لا تخلو من السموم، إلا أنها أفضل طبخة فكرية توصل إليها الإنسان.
صحيح، يمكن الالتفاف عليها بتحويل صناديق الاقتراع للبرلمان إلى صناديق “قرع وباذنجان“، وتحويل البرلمان إلى كيس رمان، كما حدث في إيطاليا موسوليني ورومانيا تشاوشيسكو وإسبانيا فرانكو وكل جمهوريات الموز... لكن رغم ذلك تبقى هي مهمة للإنسان.
يقول الشاعر مظفر النواب:
“رأيت عربيا نائما فأيقظته حتى يحلم بالحرية”
فرغم مساوئ الديمقراطية، إلا أنها أفضل من أي حكومة ملتحية مؤدلجة تعتبر صوت المرأة عورة، وتتعامل مع الديمقراطية كأكل ميتة في الصحراء اضطرارا، وأن قصة شعر لشاب أو تسريحة شعر لفتاة أو سماع أغنية لفيروز تعتبر تهديدا للنظام ومن كبريات الكبائر التي سيحاسب عليها الإنسان يوم القيامة من ثعبان أقرع يأتي لك في القبر أو تتحول إلى مشويات باربكيو كما يروج بعض المتخلفين من رجال الدين فقط؛ لأنك سمعت أغنية جميلة، أو لبست المرأة لباسا جميلا غير اللون الأسود، رغم أن كل ذلك ليس من الإسلام.
وهي مجرد اجتهادات، لكن كل هذه الشدة في الأحكام التي تجلد بها ظهور الناس تغيب كليا عن قضايا مهمة من موضوع “الخمس” أو “الزكاة”، وأنت تجد بعض الوكلاء تزداد كروشهم وحساباتهم البنكية التي تتحول وتورث “الأخماس”، بعد وفاة الوكيل إلى سيارات فارهة وفلل كبيرة للأبناء والأحفاد. هنا لا يأتي ثعبان أقرع للوكيل في القبر ولا يتحول إلى مشويات باربكيو.
فالنظام الديني يفرض الحجاب بقوة الكرباج ويراها قصة وجود.
تصور نظاما قائما عموده الفقري على قطعة قماش على رأس امرأة؟ هذا يعكس حجم الوعي المعكوس وإسمنت التخلف في العقل. علما وأنا من خلال دراستي الفقهية والأصولية لعشر سنوات ما وجدت دليلا لا عقليا ولا نقليا معتمدا في فرض الحجاب، بل أنا وصلت إلى قناعة علمية عملية أن الحجاب مسألة شخصية، لذلك أنا أحترم المرأة المحجبة والمرأة غير المحجبة، ولا أجد فضيلة لإحداهما على الأخرى إلا بالقيم والأخلاق والمعاملة.
النظام الديني، إسلاميا كان أو مسيحيا أو يهوديا، يصاب بحكة جلدية من التطور والحضارة والمدنية، لهذا نجد اليوم ولاية الفقيه في إيران وطالبان في أفغانستان، والإخوان المسلمين لما حكموا مصر وتونس، كانوا وما يزالون مصابين بالصّدفية، وجلودهم حساسة جدا أمام أي فكرة غربية، ولو كانت مطبوخة في مطبخ جان جاك روسو أو فولتير أو جون لوك...
ما أتمناه لسوريا اليوم هو المدنية والديمقراطية الحقيقية، وألا تكون على شاكلة ولاية فقيه بنسخة سنية، كما كانت ولاية الفقيه طيلة حكمها نسخة إخوانية متأثرة من كتب حسن البنا وسيد قطب لكن بنسخة شيعية معدلة. تقول إديث سيتول:
“أنا صبورة على الغباء..
لكن ليس على من يفاخرون بغبائهم.
يقول نزار قباني:
السر في مأساتنا صراخنا أضخم من أصواتنا..
وسيفنا أطول من قاماتنا..
خلاصة القضية توجز في عبارة..
لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية.
نريد سوريا جديدة تلبس ثوب الديمقراطية والتعددية بلا تدخل من وحوش البرغماتية من الخارج، وألا توزع على الناس “بطانيات” التاريخ ولا قنابل طائفية ويبدأون في الإصلاح كسنغافورة واليابان.
النماذج الدينية الموجودة من الأنظمة كلها متكلسة، ويخرج من لُحاها غبار التاريخ، فلا تنفع الحضارة وإن لم تتطور ستنهار ذات يوم، كما انهار الاتحاد السوفيتي، والمنطقة لا تتحمل مزيدا من المراهقات السياسية التي لا تمتلك رادارا يرصد حركة السفن السياسية في العالم.
المراهقة السياسية هي التي أسقطت جدار الغرفة السياسية في الشرق الأوسط.
صحيح أن نظام الأسد متكلس، وكل العمليات الجراحية التي قام بها في عيادة المحور، خصوصا عمليات المفاصل والذبحات القلبية التي كان يمر بها طيلة سني عمره، كانت سببا في ضعفه، لكن أنا أعتقد أن الذي أسقط الأسد وحزب البعث هو يحيى السنوار.. نعم يحيى السنوار؛ بالخطأ الكارثي في إقدامه على طوفان الأقصى.
فما أقدم عليه هو عملية انتحار جماعية سببت كل الكوارث بغزة ولبنان وسوريا.
السياسة الحكيمة ليست في صناعة الطوفان، بل النظر إلى ما بعد الطوفان.
ليس المخيف الزلزال، بل ما هي تداعيات الزلزال.
هكذا تكون النتائج عندما تقدم على عملية بحسابات غيبية وهلوسة عقائدية حزبية قائمة على تنفيس غضب.