هكذا يترنح العالم بين لحى التاريخ وسطوة كرباج أفكار استاتيكية إسمنتية من فتاوى مجنونة تصاب بذبحة صدرية إذا ما رأت الإنسان يجنح للسعادة والحياة، وبين نكتة رأس مالية جشعة تقوم على البراغماتية الضيقة والنرجسية الفاقعة والجشع اللحظي ولو كان على حساب العالم.
بمنطق فلسفي في رؤية الحياة، نحن بين مرضى سيكوباتيين نرجسيين وبين مرضى معتلين مهربين من كهوف التاريخ يعانون من قهر وسواسي ديني.
هكذا أقرأ المشهد العالمي بين التراجيديا والمهزلة. هنا يفكر الإنسان البائس بين عدميّة نظرية الفيلسوف ألبير كامو في اصطياد فرحة اللحظة وإلغاء الميتافيزيقا، وبين نظرية التكفير لحسن البنا في تكفير الحاضر والهوس بالميتافيزيقا المقاسة من مفردات قاموس الإسلام السياسي. كلاهما في بؤس وجودي.
قلة من يصطادون التوازن بين الاطمئنان السماوي وبين سعادة واقعية الواقع، ويخرجون من معادلة الحياة بطمأنينة روحية دون أن ينهشهم الواقع بأمراضه وحروبه ودمائه وانقلابات، وينجون بنظريات عملاقة عظيمة ممزوجة في “مولينكس” فكري أتقنت مواده بحرفية بأن تخلط أفكار الفيلسوف الأمريكي ستيفن هوكينج والمفكر الروسي فاديم زيلاند مع نكهات المتصوف الكبير شمس التبريزي وتلميذه جلال الدين الرومي مع عظمة مبادئ الإمام علي، مع شيء من سلام غاندي ورحمة تيريزا وإنسانية ديانا وتسامح مانديلا، مسيجة بأفكار التحرر من تملك الأشياء لبوذا ومحبة السيد المسيح.
هذه الخلطة “المولينكسية” تحتاج إلى حرفية بالغة الدقة وطباخ فكري ماهر ليعطيك طبقًا فكريًا دسماً يوصلك إلى الاطمئنان المطلق أنك ما زلت بخير وأنت تسبح في نهر تماسيح “الإيكو” والـ “أنا” المتضخمة، وبين نهر أسماك قرش الميلشيات الموزعة على الخرائط التي همها صناعة توابيت الموت ونعوش السعادة المغطاة بجبب رجال الدين السياسيين العاطلين عن العمل، الذين لم يتقنوا إلا فن جمع الأموال من الكادحين وجلود العامة بسياط الفتاوى المتخلفة التي باتت تكثر على هذا الشاب المسكين تسريحة شعر أو مصافحة امرأة أو سماع أغنية أو لباس أنيق جميل لشابة يحرمون عليها العمل أو حتى وضع عطر لها على ثياب ملونة.
بين محيطات مليئة بـ “كودزيلا” من سياسة عالمية يغلب عليها الفشل اقتصاديًا وسياسيًا، راكمت عليها ديونًا بالتريليونات مع صناعة حروب تهدد البشرية، تقترب من حروب عالمية ثالثة مع فشل ذريع في رفاهية البشر؛ هذا دليل آخر على أن الإنسان مازال بحاجة إلى وقت طويل لتطوير أنظمته النفسية والاقتصادية والسياسية للتوافق مع التوازن الكوني الذي يسعد الإنسان ويخلصه من هواجسه وقلقه الوجودي.
في نهاية المطاف، الإنسان يريد أن يبحث عن معنى للوجود في زمن تسوده التفاهة من نظام عالمي فرض علينا الفاشنيستات كمقياس للرقي والحضارة، كما جاء في كتاب “نظام التفاهة” للمفكر الكندي آلان دونو.
الغني غير سعيد والفقير غير سعيد، والسبب غياب خلطة السعادة.
في نظري، كل النظريات والتاريخ فشل في إعطاء خلطة واقعية للسعادة البشرية. إذًا، ما هو الحل؟ الحل في التوازن الروحي مع الله، والتوازن السياسي، والتوازن الاقتصادي والنفسي والاجتماعي، وهذا يحتاج إلى خلطة سحرية سأنظِّر عنها لاحقًا.
لا الآيديولوجيات استطاعت إعطاء خلطة سحرية للسعادة، ولا النظريات البشرية، وأغلبها مقاربات لتلمس ذيل السعادة. يبقى قوة الإنسان المتوازن في اقتناص الاطمئنان من كل الآيديولوجيات والنظريات البشرية والواقعية المقاتلة في جامعة الحياة مع معرفة منجم الإنتاج البشري في الأنثروبولوجيا في حفر فلسفي للوصول إلى توليفة فلسفية تجمع كل ما جادت به هذه الآيديولوجيات والنظريات من صور وأفكار متوازنة في الاطمئنان الداخلي لمقاربة للوصول إلى جزء أكبر من ذيل السعادة.