العدد 5959
الخميس 06 فبراير 2025
المصباح والنبش في الصناديق المهربة
الخميس 06 فبراير 2025

كثيرة هي سفن الأسئلة التي تزدحم على “إيميلي”، والأكثر جمالًا هي تلك التي تتسلل وخلفها عطش لفهم الحياة من زاوية ثقافة الحياة. 

ليس عندي خلطة سحرية، وإنما عندي قوانيني التي صغتها لنفسي من تراكم معرفي، ولسنين قضيتها بين الحرائق والحدائق، بين الأقارب والعقارب، بين العلاقات والإعاقات، بين القبلات والطعنات، بين نوم على أهداب عيون، وبين حمقى الجنون. 

قواعدي، أن أحمل مصباح الشك لأصل إلى اليقين، ولو جلست على رصيف.

لا أحمل على ظهري أكياس اليقينيات إذا كانت محملة من مصانع البشر مهما أُلبست تقديسًا؛ لأن عقلي هو القنديل الذي يرافقني في ظلمة المعرفة، فلا مقدسات في البحث والحوار. 

فنظرية “الحرام والحلال” تكون متينة عندما يكون حارسها الأمني هو العقل والتجربة الإنسانية. كل العالم يتوافق على أن الكذب خطيئة، وكسر القانون خطيئة والسرقة والنصب والاغتصاب والقتل خطايا ومحرمات.  لا أؤمن بأن للدين رجالًا يطبخون أحكامه في “قِدر” ويوزعون الوجبات الدسمة على الناس على أنهم رجال دين. فكل إنساني أخلاقي راق وسامي السلوك هو متدين بالإنسانية ورجل دين الإنسانية. الدين ليس له جنرالات ولا محاكم تفتيش ولا شرطة عقيدة ولا مخابرات دينية. الدين هو علاقة ذاتية بين العبد وخالقه، فأنت مرجع ذاتك مع الله وأنت وكيل ذاتك، وأنت رجل دين ذاتك مع الله. فلابد أن تتمرد وتخرج من المعسكر الديني البشري، وتهرب من أسوار الأفكار وسجون الأفهام التي عشت عليها طفلًا، وكبرت عليها لتعرف أن الدين حب وأخلاق ومعاملة وصدق وجمال وإنسانية وتسامح مع أخيك الإنسان، فلا ترى أخاك بأنه نجس أكان مسيحيًّا أو بوذيًّا أو هندوسيًّا، فالإنسان طاهر، والله عز وجل يقول في القران الكريم (ولقد كرمنا بني آدم).

أتعجّب أن هناك من زرق في أذهانهم أن عاملة المنزل لابد تكون مسلمة؛ لأن غير المسلمة غير طاهرة.

نعم، تصوّروا أن هناك من يروّج لمثل هذه الأفكار الظلامية، وتنطلي على البشر. 

فالشك طريق اليقين كما فعل الداعية محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعلي عبدالرازق وسيد كمال الحيدري والسيد فضل الله والسيد محمد حسن الأمين وغيرهم من فكر اركيولوجي حفري في التراث والفقه البشري والتاريخ والأحكام.

فالكثير من الأحكام ليست من الدين في شيء، لذلك كن جريئًا في كسر القيود ومعرفة الحقيقة وعش مع التاريخ والاختلافات بأسلوب معرفي ولا تكن متوتّرًا، ومد الجسور مع المختلف بصدق داخلي.

امتلك جرأة البحث، واعمل “جيك اب” للجسد الفقهي ولجسد التاريخ، فـ 90 % من اجتهادات الفقهاء اجتهادات بشرية ليس لها ربط بالدين أو الإسلام أو بقية الأديان أكانوا مسلمين أو قساوسة أو رهبانا. 

لقد درست على يد فقهاء ومجتهدين من قبيل الشيخ حسن الجواهري والسيد الحائري والسيد الحيدري “البحث الخارج”، وبعد دراستي مع دراساتي الفلسفية الخاصة وبحوثي المتنوعة في الأنثروبولوجيا، وانفتاحي على كتب المعرفة منذ سنة 1996 مع تجربة الحياة؛ وصلت إلى قناعات علمية أن هناك الكثير من الأحكام ليس عليها دليل لا عقلي ولا نقلي، بل وصلت لقناعات توصل إليها المرجع السيد الحيدري متأخرًا، وأنا أختلف معه في أشياء وألتقي معه في أشياء.

عندما تكتشف الجواهر وتكتشف الأتربة التي تخبئ الجواهر وتميز بينها ستعيش سعادة أبدية؛ لأنك قمت بكنس الخرافات البشرية، وأحكام بعضها عبارة عن هلوسة من بعض رجال الدين، وهنا سيطمئن قلبك وتعيش التصالح الذاتي، وتعيش سعيدًا، وعلاقتك مع الله ستكون علاقة حب، وتعيش متحررًا من القيود البشرية، وتكون معاييرك إنسانية دون تعصب وستفهم الآية الكريمة “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.

لابد أن تفرّقوا بين ما هو من الإسلام وما بين هو من البشر واجتهادات بشرية.

جاء وقت أن كل شخص يحمل أدوات التنقيب للوصول إلى مناجم المعرفة والتقاط جواهر الأديان ولؤلؤ كتب البشرية؛ لتكونوا قريبين من الله عز وجل، وقريبين من ثقافة الحياة من جمال وحب وإنسانية عبر كوكتيل الحياة، التي مازلت أطرحه منذ تأسيس حزب الإنسان إلى الآن. 

ما أجمل أن تحمل سلة أفكار فيها أفكار محمد عبده والأفغاني ونيتشه وفولتير وروسو وجون لوك والسيد فضل الله وهاني فحص ودوستويفيسكي وبوشكين وتولستوي مع أعمدة أفكارك الخاصة دون “تماهي إسقاطي” أو تصنيم أفكار بشرية.

إنها الخلطة السحرية التي تجعلك قريبًا من الله، وتتماهى مع الإنسانية وتعشق وطنك، وتجد الكون كونك، وكل البشر إخوانك، وتعيش حب الله، وأناقة المعنى وصدق الحرف، ووسامة الشعور، وأناقة المظهر والجوهر، ورسولًا للسلام ومع كل ذلك جريء في رأيك، متصالح مع ذاتك، حاد كشفرة حلاقة دفاعًا عما تؤمن به، ورهيف كجناح عصفور يغرد على شرفة.

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .