العدد 5965
الأربعاء 12 فبراير 2025
ترامب.. جنون العظمة وحقبة غامضة!
الأربعاء 12 فبراير 2025

 في تصريحات غير مسؤولة، ومناهضة للعدالة وحقوق الإنسان والأعراف والقرارات الدولية، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ليلة مظلمة مع نتنياهو ليعلن تصفية القضية الفلسطينية وتهجير شعب غزة وحرمانه من العيش في أرضه في موقف أميركي خارج عن سياق العقل والحكمة والقرارات الدولية! بالتأكيد مشروع ترامب أثار الرأي العام العربي والعالمي، كما كانت له تبعات وآثار داخلية أميركية، وخرجت أصوات تطالب بعزل الرئيس، وإقالة حكومته، واليوم نرى معارضين داخل الإدارة الأميركية والكونجرس وحتى الأصدقاء والحلفاء.
 فرياح التغيير هبّت، بدءًا من الرياح وحرائق لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، وهناك حرائق سياسية واقتصادية في الطريق ستوثر على الاقتصاد الأميركي الذي سيواجه انتكاسة إذا استمرت الإدارة الأميركية في خططها ومواجهة الدول بقرارات ضريبية وتحديات غريبة، فالرد سيكون بالمثل، سياسيًّا واقتصاديًّا، وكذلك عسكريًّا إن تطلب الأمر يومًا ما، أو وقف هذه القرارات وتعديل المشروع من التهجير إلى التعمير والاعتراف بالدولة الفلسطينية. ما زالت قنبلة ترامب تتفاعل عربيًّا وعالميًّا، والتنسيق لمواجهتها أصبح أمرًا ضروريًّا، لذا جاء الرد العربي قويا من خلال بيانات حازمة وواضحة وصريحة، وهو الالتزام بمواقفها الثابتة من القضية الفلسطينية، ما ينسف أي تفكير في إجهاض مشروع الدولة الفلسطينية، أو يدعو إلى تهجير الفلسطينيين من ديارهم وأراضيهم. وجاءت رسالة الأمير تركي الفيصل قوية ومعبرة ومؤثرة، مرتديًا الكوفية الفلسطينية في لقاء تلفزيوني مع قناة “سي إن إن” الأميركية ليخرس الأميركان ويؤكد ثبات الموقف السعودي من القضية الفلسطينية. 

كصمود وصلابة جبل طوق، وهي إشارة سعودية أيضًا لكل المشككين في الموقف السعودي بشكل عام. 
الحقيقة أن ما أعلن عنه الرئيس الأميركي، إنما هو تطهير عرقي مكشوف، ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية، لذا تزامنت تصريحاته مع موقف مضاد عربي وعالمي تضمن رفض تهجير الفلسطينيين، مهما كانت الإغراءات والتلميحات، فالكل متفق ومتحد بإذن الله لمواجهة الغطرسة الترامبية والصهيونية.
فحقًّا الحرب التجارية بدأت مبكرًا، بين الولايات المتحدة الأميركية والصين من جهة، وبين أميركا والمكسيك وكندا وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول، والحرب السياسية مع إيران ولبنان وأوكرانيا أيضا، والتقارب مع روسيا وكوريا الشمالية من جهة في الطريق، والكل ينظر لمصالحه أولًا وأخيرًا.
هي مسرحية الجنون، كتبها ماسك وأصدقاؤه التجار لرسم خريطة الشرق الأوسط الجديد والعالم بطريقة تجارية واحتلال جديد بطريقة الأفلام الأميركية “الكاوبوي” أو مصارعة “دبليو دبليو إي” في الفوز بالضربة القاضية، فالتعامل مع الأزمات العالمية ومع مصر والأردن والسعودية خلال المرحلة القادمة لن يكون كما يتخيل البيت الأبيض ورئيسه.
هذا المستوى من جنون العظمة، بداية لانهيارات قادمة لا محالة، فلن تنجح خططهم، وسيقاوم أهل فلسطين هذه المخططات حتى يتحقق الانتصار، و”ريفيرا الشرق الأوسط” كما تحدث ترامب ونتانياهو سيبقى فلسطينيًّا عربيًّا حرًّا.
فلن يتغير وجه الشرق الأوسط، كما يدّعون، بل ستتغير قواعد اللعبة دوليًّا، وصفحات الكتاب الجديد بدأت تتجمع، فلا “جرينلاند” ولا “بنما” ولا “كندا” ولا “غزة” ولا.. ولا كل ذلك سيتحقق، إلا إذا بقي العالم تحت عباءة الإملاءات الأميركية، وهذا مستحيل في رأيي، خصوصًا بعد إلغاء ترامب قرارات وقوانين بانسحاب أميركا من منظمة الصحة العالمية واتفاقية التجارة العالمية والمناخ والهيمنة على محكمة العدل الدولية وقضاتها، فعن أية عدالة أو حقوق إنسانية تتحدثون بعد اليوم!
فالكرامة العربية والإسلامية لا ترضى ولن ترضى، والداخل الأميركي بدأ في الغليان أيضًا بعزل الرئيس وحكومته، والعالم لن يرضخ أو يرضى أن يكون ضحية الضغوط الأميركية التعسفية، مهما كانت النتائج وعلى الدول العربية والإسلامية دعم الموقف الروسي والصيني والتقرب منهما، فالرسوم الجمركية على كندا والمكسيك والصين وغيرها من الدول، والتي جاءت عكسية وقوية من الجانب الآخر وصفعة للجانب الأميركي، هي نفسها التي ننتظرها من القمة العربية الطارئة.. والله من وراء القصد. 

كاتب ومحلل سياسي عماني

صحيفة البلاد

2025 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .